شاهد.. الفقر والأمّيّة والمرض "ثالوث" يتكالب على أهالي قرية الجويني

يعملون بالتحطيب ولا يجدون سوى العشش للسكنى ومن دون هوية
شاهد.. الفقر والأمّيّة والمرض "ثالوث" يتكالب على أهالي قرية الجويني
عوض الفهمي - سبق - أضم (تصوير : عبد الرحمن الزهراني): قرية الجويني الواقعة جنوب محافظة أضم التابعة لمنطقة مكة المكرمة من يزورها للمرة الأولى تصيبه الدهشة مما يشاهده ، جميعهم أبناء قبيلتي (الحسانية والعداوين)، يسكنون العشش ، ويشربون من مياه الآبار الملوثة ، ويعملون في قطع الأشجار وجمع الحطب من أجل أن يجلبوا لأسرهم لقمة العيش.
 
  "سبق" زارت قرية الجويني والتقت سكانها في منازلهم ووقفت على احتياجاتهم بعد أن عاشت معهم على مدى أربع ساعات متواصلة سمعت من خلالها العديد من القصص المحزنة ، وشاهدت الحالات الإنسانية المبكية ، ووقفت على قضايا رأت أنها بسيطة لكنها أمام القانون والنظام قد تكون صعبة جدًا.
 
الفقر يعصف بالقرية بأكملها
بدأنا الرحلة عند وصولنا إلى قرية الجويني بعدما شاهدنا منازل العشش بعضها قديم وبعضها الآخر حديث البناء، فبدأنا بمنزل المواطن عبد الله محمد سالم الحسني والذي يعد من مواليد تلك المنطقة قبل 30 عامًا – حسب قوله ، والذي يعيش في منزل مكون من ثلاث غرف دون حمام أو مطبخ تم بناؤه على نفقة فاعل خير من منطقة القصيم.
الحسني حينما شاهدنا أسرع إلى إحدى الغرف وأخرج لنا الطفل (معاذ، سنة واحدة) وهو يحمله على كتفه قائلاً ابني يبلغ من العمر عامًا واحدًا ويعاني شبه شلل بقدمه اليسرى حيث لا يستطيع أن يمد قدمه إلى الأمام ، بالإضافة إلى عيب خلقي في القفص الصدري حيث إن الجانب الأيمن بارز بشكل مرتفع بينما الجانب الأيسر منخفض جدًا.
وأكد أنه ذهب به لمستشفى أضم العام وتم تحويله لقسم العظام بمستشفى الملك عبد العزيز بجدة والذي اعتذر عن علاجه بحجة أنني لا أملك هوية وطنية وإنما أملك تصريحًا من شيخ القبيلة للتنقل من مدينة لأخرى لكن المستشفى لا يقبله ، فعدت به إلى المنزل وما زلت أبحث له عن مستشفى حكومي يستطيع علاجه أو فاعل خير يستطيع التكفل بعلاجه بأي مستشفى خاص متقدم.
وقال الحسني : أسرتي مكونة من ستة أفراد أنا وزوجتي بالإضافة إلى ثلاثة أبناء ذكور وبنت واحدة ولا أملك أي دخل مادي سوى ما يأتي من أهل الخير بين الفينة والأخرى.
 
أكبر أسرة بالقرية
السيد عبد الله محمد الحسني 42 عامًا يعد صاحب أكبر أسرة في تلك القرية حيث إنه متزوج من ثلاث نساء ولديه من الأبناء (32) فردًا بينهم 17 من الذكور و15 بنتًا، أغلبهم التحقوا بالمدارس الحكومية لكنهم يتوقفون عن إكمال دراستهم بعد المرحلة الثانوية لعدم حملهم الهوية الوطنية.
 
ويقول عبد الله : لا أملك من حطام الدنيا شيئًا سوى ما أجنيه من وراء قيامي بجمع الحطب وبيعه لأجلب بقيمته لقمة العيش لأسرتي الكبيرة، على الرغم من كل الصعوبات التي يواجهها من قِبل فرع الزراعة والذي يمنع الاحتطاب بناء على التعليمات لكنه يقول " إن لم أجمع الحطب فإن أسرتي ستموت جوعًا".
 
 ويذكر عبد الله بعض المواقف التي مر بها حيث إنه قبض عليه ذات مرة وتمت مصادرة سيارته من نوع هايلوكس موديل 82م بعد أن فوجئ بنقطة تفتيش وهو لم يكن يحمل استمارة لتلك السيارة لعدم حمله هوية وطنية، فتمت مصادرة تلك السيارة نهائيًا ليعود لمنزل أسرته على خفي حنين وهو يذرف الدموع بعد أن فقد الوسيلة الوحيدة التي كانت تعينه على جلب قوت يومه لأسرته الكبيرة.
 
عبد الله أكد أنه عاد قبل أسبوع من الرياض بعد أن راجع عددًا من الدوائر الحكومية في قضية الهوية الوطنية له ولعدد من أبناء قبيلة العدواني ، حيث قال (معاملتنا تمت إحالتها للداخلية).
 
الهوية ودراسة الأبناء
أبناء قرية الجويني من البنين والبنات يسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية الابتدائية والمتوسطة والثانوية لكنه بعد أن يكمل الطالب أو الطالبة المرحلة الثانوية لا يستطيع أن يكمل دراسته لعدم وجود هوية وطنية لديه، كما أن المدرسة لا تسمح للطالب باستلام الشهادة الدراسية الأصلية إنما يعطى صورة منها والأصل تبقى بالمدرسة حتى إحضار الهوية الوطنية عندها تُسلم له.
 
يقوم سكان قرية الجويني بتزويج أبناء بعضهم بعضًا بمهر لا يتجاوز (10 آلاف ريال) حيث يقومون بإحضار المأذون الشرعي الرسمي من السعوديين ويتم عقد النكاح بحضور ولي الأمر والشهود ويدفع المهر ، ولا يتم اشتراط إجراء التحليل الطبي للعريس والعروس، كما أن العريس منهم لا يمكن له أن يملك عقد النكاح إلا بعد أن يحضر الهوية الوطنية ، فما معه من أوراق ثبوتية سواء مصدقة من شيخ القبيلة أو تصريح من جهة رسمية لا يسمن ولا يغني من جوع لحامله.
 
الشباب
تضم قرية الجوينيين قرابة 70 شابًا في سن العمل يذهبون إلى محافظة جدة وإلى مكة المكرمة بحثًا عن لقمة العيش من خلال العمل حلقة الخضار ، لكن سرعان ما يعودون أدراج الرياح حيث يتم منعهم من العمل بسبب حملهم لتصاريح غير معترف بها ، إذ لابد من إحضار الهوية الوطنية.
 
(سالم  6 سنوات) طفل منغولي، يقول والده ( يحيى نامس 41 عامًا) ذهبت به إلى مستشفى أضم، وتم تحويله لمستشفى المساعدية بجدة والذي أجرى له عدة فحوص طبية وعملية بالكتف اليمنى ، ثم تمت إحالته إلى قسم الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الملك فهد لكنهم طلبوا مني الهوية الوطنية فأبلغتهم أنني لا أملك سوى تصريح تنقل لكنهم رفضوا قبوله فعدت لقرية الجويني من جديد ، مؤكدًا أن المشرفة على حالة الطفل (سالم) بمستشفى المساعدية أبلغته أن الطفل بحاجة ماسة إلى طبيب أنف وأذن وحنجرة لكني لم أجد من يقبله أو يتكفل بعلاجه بأي مستشفى آخر حتى اليوم.
 
حال المسنين والأطفال
على عبده 70 عامًا وهو مسن أُصيب بجلطة تسببت في شلل الجزء الأيسر وجعلته بطيء الحركة ، بالإضافة إلى معاناته مع مرض الضغط ، لديه من الأبناء 6 منهم 5  بنات وولد واحد. وتقوم اثنتان من بناته بالصرف عليهما من خلال عملهما في إحدى مدارس البنات حيث يقمن بتنظيف المدرسة مقابل 1000 ريال للواحدة منهن، يذهب منه مبلغ 250 من كل واحدة منهن أجرة السائق الذي يقوم بإيصالهن للمدرسة التي يعملن بها.
 
 (الطفلة فاطمة 14 عامًا) لا تتكلم ولا تسمع ولا تأكل وإنما تعيش على شرب الحليب فقط منذ ولادتها وحتى اليوم .
 
 يقول والدها علي النعمي راجعت بها مستشفى أضم وأكد الطبيب وجود نقص في الأكسجين لديها وأنها تحتاج إلى تحويل لمستشفى متقدم لكن عدم وجود هوية وطنية لديّ حال دون ذلك.
 ويعول النعمي أسرة مكونة من 17 فردًا 6 ذكور و 8 بنات، بالإضافة إلى زوجتين ويسكن بمنزل مكون من غرفتين ومطبخ واحد فقط. ولا يوجد له دخل حاليًا فقد كان يعمل مندوبًا للمعلمات، حيث يحضر لهن طعام الإفطار من محافظة أضم مقابل راتب مقطوع شهريًا قدره 500 ريال، والآن وبعد أن انتهى العام الدراسي توقف الدخل وأصبح النعمي وأسرته على حسنة المحسنين.
 
ولد الطفل خالد قبل عامين ونصف العام وهو فاقد لإحدى خصيتيه وقد ذكر والده (درويش محمد الحسني) أنه راجع به مستشفى أضم وأكدوا له أنه يحتاج إلى تحويل عاجل جدًا لأحد مستشفيات جدة وتوقف الأمر بحجة أنني لا أملك هوية وطنية إنما تصريح لن يتم معالجة ابني به.
في قرية الجويني أكثر من 200 مسن ممن يرغبون في أداء فريضة الحج في كل عام، لكن الجمعيات الخيرية ترفض ذلك لأنهم لا يستطيعون استخراج تصاريح حج لهم بحكم أنهم لا يحملون هويات، فيما ناشد مسنون عدة من أهالي قرية الجويني أهل الخير مساعدتهم في أداء فريضة الحج حيث إن أغلبهم لم يؤدِ الحج الفريضة حتى اليوم.
 
الأمّيّة بالشعائر الدينية
تعاني قرية الجويني أمية بالغة في الجوانب الدينية منتشرة بين سكان القرية، وخصوصاً بين كبار السن من الجنسين؛ فغالبيتهم لا يحفظون الفاتحة ولا يجيدون قراءتها، كما أنهم لا يعرفون عدد ركعات الصلوات الخمس، ولا يفرقون بين الصلاة الجهرية والصلاة السرية.
 
الناحية الصحية
يواجه أهالي الجويني صعوبة بالغة في تلقي العلاج ببعض المستشفيات الحكومية خصوصًا عند تحويلهم إلى مستشفيات كبيرة في مكة وجدة ، حيث لا يعترف مسؤولو تلك المستشفيات بالتصريح الذي يحملونه الأهالي وتتم المطالبة بالهوية الوطنية مما يتسبب في حرمانهم من تلقي العلاج كما حدث مع كثير من الحالات التي وقفت عليها "سبق" اليوم.
 
شهر رمضان
عند حلول شهر رمضان المبارك تبذل جمعية البر بمركز الجائزة جهودًا كبيرة في توفير مياه الشرب ووجبات الإفطار لأهالي القرية، لكن الجمعية بحاجة إلى من يدعمها لتتمكن من توفير احتياجات السكان على مدى شهر رمضان المبارك.
 
متطلبات القرية
من جهة أخرى ذكر أحد المواطنين المجتهدين في الجانب الإغاثي لقرية الجويني أن القرية بلغ عدد سكانها اليوم قرابة 1000 نسمة، وهم بحاجة ماسة جدًا إلى جمعية خيرية أو أهلية مستقلة خاصة بهم فقط دون غيرهم ، حيث إن المبنى جاهز ولكنهم يحتاجون إلى جهة رسمية تشرف عليها فقط لتكون مظلة رسمية ويكون عمل تلك الجمعية الخيرية حسب النظام.
 
مطالبات بالجنسية
أهالي قرية الجويني من أبناء قبيلتي الحسانية والعداوين يطالبون بالحصول على الجنسية السعودية منذ عشرات السنين وقد زارتهم عدة جهات حكومية كان من أهمها باحثون من الضمان الاجتماعي قاموا بعمل مسوحات لجميع السكان، وكذلك جمعية حقوق الإنسان التي التقت الأهالي ووقفت على مشاكلهم ومعاناتهم، وما زالت هناك معاملات رسمية لهؤلاء المواطنين في عدة جهات منها وكالة الأحوال المدنية بالرياض، ووزارة الداخلية، وجميعها بشأن الحصول على الجنسية السعودية، كما كلف الأهالي أحد المحامين السعوديين بمتابعة معاملاتهم وسرعة إنهائها . كما أن البعض منهم والدهم سعودي لكنه لم يستطع إضافته لأسباب غير معروفة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org