مسيرة التغيير على قضبان الاستقرار

مسيرة التغيير على قضبان الاستقرار
في ظل الأحداث الكبرى التي تمر بها الأمم تحدث انقسامات فكرية وثقافية كبيرة، وقد تتصاعد لغة الحوار حينذاك؛ لتلتقي الأطراف المنقسمة حول قواسم مشتركة سالكة سبيل الحوار البنّاء؛ فينجو معها مجتمعها من الفتن المظلمة، وقد يهبط مستوى الحوار إلى ما دون التراشق بالاتهامات والتخوين؛ فيأخذ الأمم وشعوبها حينها إلى دوامة الفتن المهلكة.
 
والمشكل في هذا الحوار، الذي يجعل المواقف ملتبسة، يكمن في الاصطفاف الحاد من فريق الاستقرار، الذي جعل من التغيير لفظة مضادة لما ينادي به من استقرار، حتى ترسخ في بعض الأذهان أن كل من نادي بالتغيير هو من دعاة الفوضى!
 
والأمر ذاته قد ينطبق في بعض جوانبه على الفريق الآخر (فريق التغيير)، الذي جعل من لفظة الاستقرار مرادفة لبقاء الوضع الراهن بشخوصه وآلياته في الحكم وإدارة الدولة، ولم يرَ فيها إلا ذلك الجانب المظلم الذي يضاد طموحاته وآماله في التغيير.
 
ومما يزيد من حدية المواقف وغياب المعادلة التوافقية التي تقرب المسافات بين الطرفين تلاشي الوسطيين الذين يحظون باحترام وثقة الأطراف كافة، والذين بمقدورهم بلورة معادلة تُنهي هذا الجدل، وتعيد صياغة مواقف الأطراف؛ لتنهي اصطفافها الحاد؛ لتتسم بمرونة؛ تسمح لها برؤية الرغبة في التغيير محفوفة ومشبعة بروح الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمة ومكتسباتها.
وربما غاب عن الأنظار في دوامة المطالبة بالتغيير المشروع أن له من السنن والآليات التي ربما تجاوزها يوقع البلد في مأزق خطير، وأن المصلحة العليا لهذا الوطن تقتضي التدرج في عملية التغيير، وأن تسير قواعد التغيير على قضبان الاستقرار، وهي المعادلة التي يمكن من خلالها الحفاظ على الأمن القومي لهذا البلد.
 
وعلى ذلك فإن المعادلة التي نراها تجمع شتات الأمة هي تلك التي تدمج التغيير باعتباره مطلباً لا غنى عنه، والاستقرار الذي يحافظ على أمن الوطن ومقدراته ومكتسباته على المستويات كافة.
فالتغيير الذي نتحدث عنه ليس فقط في الشخوص والأفراد، لكنه يتعدى ذلك إلى الآليات السياسية وطريقة إدارة الوطن وعلاقة السلطة والنظام بالمواطنين، وعلاقة القيادة السياسية بالقوى الخارجية والعلاقات الدولية، بما يعكس رغبة الشعب ومصالحه.
 
وإذا ما تحدثنا عن الاستقرار فإنما نعني به تلك الوضعية التي تحافظ على ما تم تحقيقه من مكتسبات اقتصادية، وكذا الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين من العبث والفتن.
 
هذا الوطن الكبير ما أحوجه إلى التغيير والاستقرار؛ فبهما معاً يخطو خطواته نحو المستقبل الذي ينشده الراشدون من دعاة التغيير، ويطمح له الغيورون لا المنتفعون من أنصار الاستقرار. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org