إعلام الشوارع..!

إعلام الشوارع..!
ظهر في السنوات الأخيرة على مستوى الإعلام ما يسمى بصحافة المواطن وصحافة الشارع، كشكل من الممارسات الصحفية غير المهنية، التي تعتمد بشكل كبير على أفراد المجتمع العاديين في نقل وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات. وبالرغم من العبث الذي تمارسه بعض الصحف الورقية التي أُنشئت مؤخراً إلا أن هذا لا يمنع أن الصحافة الورقية آيلة للزوال نتيجة ظهور الصحافة الإلكترونية، أو ما يسمى بالإعلام الجديد تحديداً. 
 
هذا الإعلام الذي لا تحكمه أنظمة ولا بروتوكولات، ولا تقيده أسوار واستديوهات مغلقة.. إعلام يتجول في كل مكان وعلى مدار الساعة.. مراسلوه ومحرروه ومخرجوه أفراد المجتمع البسطاء، كل منهم يملك وسيلته الإعلامية الخاصة بين يديه، فهم ناقلون للحقيقة بالصوت والصورة، وبمجرد وجودك في حدث ما تستطيع صناعة مادة إعلامية، لا تتجاوز دقائق، تنقلك إلى عالم آخر، وقد تتسابق وكالات إعلامية عالمية لتداول هذه المادة، وقد تغير هذه المادة الإعلامية حكومات وسياسات ومنظمات، وقد تطيح بمسؤولين يتمتعون بالحصانة، أسقطتهم عدسة جهاز هاتف نقال.
 
ساعد على ذلك ظهور برامج التواصل الاجتماعي، فما كان في السابق يحتاج لساعات كحد أدنى للوصول للمجتمع أصبح في وقتنا الحاضر يصل أطراف الأرض في دقائق. وهذا الأمر مكّن المواطن البسيط من أن يصبح إعلامياً، يشارك في الأحداث ووقوعها. 
 
ومن هذه الممارسات ظهور قنوات شخصية، يديرها شخص أو مجموعة من الأشخاص، حتى ازدحمت الشبكة العنكبوتية بهذه القنوات التي فيها الغث والسمين، ومنها الهادف والمفيد، ومنها ما هو هابط وسخيف.. مادتهم الإعلامية إما حدث اجتماعي أو خبر صحفي أو رسالة اجتماعية محددة، وأدواتهم كاميرا تصوير وغرفة صغيرة، أو حتى في (الشارع)، ويتم تناول مادتهم الإعلامية بشكل ساخر وبسيط، ولا يتطلب ذلك أي معايير مهنية أو بروتوكول. 
 
وقد أصبحت بعض هذه القنوات تستقطب المشاهدين لها من جميع فئات المجتمع نظراً لقربها منهم، ولأنها تتناول همومهم وقضاياهم، وتتخاطب معهم بمفهومهم الاجتماعي البسيط، حتى ولو لمجرد التنفيس. 
 
واللافت أن بعض هذه القنوات يصل مشاهديها للمليون مشاهد في زمن قياسي، بينما لن يصل القراء لنسخة من أشهر الصحف الورقية العالمية لنصف هذا العدد. 
 
الإعلام الجديد غزو ثقافي اجتماعي تقني، لن يتوقف أمام عجز الحكومات والمجتمعات عن مجاراته، فهو ينطلق نحو آفاق واسعة نتيجة الانفتاح التقني والتكنولوجي المتسارع، ولا نعلم ما الذي تخفيه السنوات القادمة من تطور في هذا المجال. 
 
ولأسباب عدة، أهمها أن المملكة العربية السعودية هي مهبط الوحي وقِبلة المسلمين، وكذلك لأننا ننعم بفضل الله سبحانه وتعالى بنِعَم كثيرة ظاهرة وباطنة في الوقت الذي تنتشر فيه الفتن وعدم الاستقرار في دول كثيرة، وأيضاً لأن لمجتمعنا خصوصيته التي تختلف عن بقية مجتمعات الدول الأخرى، فإن ما نشاهده وما يتم تناقله في مجتمعنا السعودي يتطلب أموراً عدة على مستوى الدولة والمجتمع والأفراد:  
أولاً: يجب على الدولة أن تجرم تصوير ونقل وتداول الوثائق الرسمية، أو تصوير المواقع والتنقلات العسكرية في السلم والحرب، وكذلك تحاسب وتعاقب موظفي الدولة المدنيين والعسكريين الذين يظهرون بشكل يسيء لكيان الدولة، وإن كان هذا القانون موجوداً فعلاً فيجب تفعيله، ونشر هذه الأنظمة في وسائل الإعلام وفي نشرات دورية توزَّع في محال بيع الهواتف النقالة، وأن يؤخذ توقيع موظفي الدولة لإثبات اطلاعهم على هذا القانون. كذلك يجب على الدولة أن تشدد على المسؤولين والمتحدثين الإعلاميين الرسميين في القطاعات الحكومية أن يتحروا الدقة والمصداقية عند التصريح إلى وسائل الإعلام؛ إذ شاهدنا بعض المقاطع المتداوَلَة التي تُظهر الحقيقة لواقعة معينة في الوقت الذي صرح فيه المتحدث الرسمي بغير ذلك؛ ما تسبب في إحراج وزارته أمام الرأي العام. 
 
ثانياً: على المواطنين أن يتجنبوا تصوير ونقل وتداول مقاطع البذخ والإسراف، أو المقاطع التي تدعو للنعرات والعصبية القبلية، أو المقاطع التي تحتوي على ما يسمى (بالهياط)، وكذلك تصوير وتناقل الحوادث وصور الجثث؛ لما تسببه لاحقاً من أضرار نفسيه لأهالي المصابين والمتوفين. ويجب أن يتم تثقيف الأبناء في المنزل والمدرسة والجامعة على تجنب تصوير وتناقل مثل هذه المقاطع. وكذلك من الواجب علينا نحن المجتمع أن نمقت وننكر على أصحاب هذه المقاطع، ونرفض تصرفاتهم كأقل تقدير بعدم المساهمة في نشر هذه المقاطع وجعلها تدفن في أجهزتنا للأبد. 
 
ويجب أن يعي كل فرد في المجتمع أن ما يصور ويتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنما يعكس المستوى الثقافي والحضاري الذي نحن عليه؛ فيعطي تصوراً إيجابياً أو سلبياً لدى الشعوب الأخرى، حتى وإن كان لا يهمنا تلميع صورتنا أمام الآخرين إلا أن ذلك يؤثر فينا داخلياً، ويجعل أصحاب القلوب والضمائر الحية يشعرون بألم وحرقة على مجتمعنا، ليس لأن بيننا سفهاء سخفاء، ولكن لأن هناك جهلة يساعدون هؤلاء على الشهرة والانتشار. 
 
ثالثاً: أظهرت لنا مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً (تويتر)، خور وجهل بعض من كنا نحسبهم - والله حسيبهم - علماء ومثقفين ونخباً؛ إذ تم استغلال هذا الموقع لبث الفكر المسموم، وللتعاطي مع الأحداث بجهل وانغلاق، وأصبح ساحة لتصفية الحسابات ونشر الفرقة وتقسيم وتصنيف المجتمع.. وللأسف إن هذه الأمور تبعث على الاختلاف والاحتقان، وكأننا في ساحة معركة. ومن هنا يجب على المجتمع أن يقوم بدوره في نبذ هؤلاء، والأخذ على أيديهم، ومقاضاتهم أمام المحاكم بدافع المحافظة على وحدة الصف، وأن يتم تخصيص (هاشتاقات) لذلك، والمطالبة بإيقاف المعرفات المجهولة التي تؤجج الفتن والفُرقة. 
أخيراً، تسمية إعلام الشوارع ليست احتقاراً للمادة الإعلامية الهادفة التي لا تمس الدين، وترتقي بالذوق العام، وتحترم عقول الناس.. والعكس صحيح.  

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org