الأمانة يا نزاهة

الأمانة يا نزاهة
أجد نفسي مضطراً من جديد للكتابة عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأتوجه مباشرة لمعالي رئيس الهيئة بعد أن أدركت تماماً أن جهاز العلاقات العامة في الهيئة شبه معطل، أو أنه مهمش، لعدم تفاعله مع نبض ما يبث ويكتب من مشاكل، هي من صميم عمل الهيئة. وأقول لمعاليه: انظر في الأمانة التي حملك إياها ولي أمر المسلمين، خادم الحرمين الشريفين، بموجب الأمر الملكي رقم (أ/ 65) وتاريخ 13/ 4/ 1432هـ القاضي بإنشاء "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد". ونص الأمر الملكي في رابعاً: "تشمل مهام الهيئة كافة القطاعات الحكومية، ولا يُستثنى من ذلك كائن من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي".
 
والهيئة وقد دلفت إلى عامها الرابع ما زالت مكانك سر في موضوع الفساد المالي والإداري، بدليل استمرار شكوى الناس في جميع أجهزة الإعلام والتواصل الاجتماعي دون استثناء. 
 
ومشاكلهم تكمن في الفقر والتعليم والصحة، ناهيك عن الطرق. هذا الثالوث جثم على قلوب الناس، وأصبح هاجسهم الأول، وأعيتهم الحيلة، في الوقت الذي انشغلت فيه الهيئة برسائل الـSMS  وإعلانات الصحف والمجلات، التي لو صُرفت ميزانيتها على الفقراء لربما كفتهم، هذا إن أفصحت الهيئة عن تكلفتها. فالهيئة ليست مشروعاً تجارياً يدر أرباحاً حتى يصبح فيها الإعلان أمراً أساسياً، وأعتقد أن أربع سنوات كفيلة بأن يعلم العالم عن مؤسسة كهذه. ورفقاً بصوت المواطن الذي بح عبر وسائل الإعلام. والله إنه من المخجل أن تتعرض المملكة العربية السعودية لحملات إعلامية مغرضة، ومن قبل مغرضين على شاشات قنوات فضائية عربية وغربية، من حين لآخر، بسبب انتشار الفقر وتردي الأحوال الصحية وتأخر التعليم، ظلماً وبهتاناً؛ ذلك أن الميزانيات التي تعتمد للوزارات المعنية بهذه المشاكل كافية وتزيد لو صُرفت لما خصصت له، وعلى الهيئة إثبات ذلك، أو الإعلان صراحة عن أن الميزانيات المعتمدة غير كافية، وبذلك تكون الهيئة قد أدت دورها في المجتمع، لا أن تتحول إلى مخفر لتلقي البلاغات، وهو أمر غير مستحسن؛ لأن إلزام المواطن بتقديم بلاغ يعني إحالته لليأس. فعلى الهيئة أن تنزل إلى الشارع لتتلمس حاجات الناس، وتفتح أبوابها التي تحولت إلى أبواب حصن للناس. عليها أن تسمع شكوى الناس؛ هي للناس، ولم تنشأ إلا لذلك، ولكن - للأسف - ما زال هذا الأمر مستعصياً على الهيئة. في الوقت الذي تصم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فيه أذنها عن أصوات المواطنين في الإذاعة وعبر برنامجين، أحدهما يومي، باسم صوت المواطن، ويُبث من إذاعة الرياض الساعة الرابعة عصراً. والآخر أسبوعي، باسم لست وحدك، ويبث من إذاعة جدة الساعة العاشرة مساءً، وكلا البرنامجين يضع الهيئة في موقف محرج إذا لم تتحرك بشكل جدي وحاسم. فلماذا تُتهم المملكة بتخلف أبنائها تعليمياً من حيث المباني والمناهج والهيئة صامتة؟ ولماذا يصيح ساكنو القرى من تردي الطريق وانعدامها وتردي الأوضاع الصحية والهيئة صامتة؟ ألا تعلم الهيئة أن وراء كل هذه الاتهامات فساد مالي وإداري؟ هل خرجت علينا الهيئة لتقول إنها أجرت دراسة أو تحقيقاً واتضح أن شكوى الناس وتذمرهم ناتج من فساد تلك الوزارة أو تلك الجهة نتيجة الفساد المالي والإداري، واستباحة أموال الناس، وصرف ميزانياتها في غير ما خُصصت له؟ إن لم تكن الهيئة قادرة على ذلك فلتعلن ذلك بكل صراحة؛ حتى تبرئ ساحتها، ولكن أن تجبر الناس على تقديم بلاغات بطريقة مذلة، ومن ثم تلعب على عنصر الوقت في دراستها، وترد بكل برود "هذا البلاغ ليس من اختصاصات الهيئة" فغير مقبول. وكم أتمنى على الإدارة العليا بالهيئة أن تعي حجم المسؤولية المناطة بها، وحساسية أن يشعر المواطن بأنها تتجاهل مشاكله. فالهيئة إلى هذه اللحظة لم تنزل إلى قلب الحدث، وما زالت تنأى بنفسها عن الدخول في معترك الحياة الاجتماعية ومشاكل المجتمع، وهذا ناتج من فهم خاطئ لمفردات الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد؛ وبالتالي جاءت مخرجاتها مضطربة بهذا الشكل.
 
يا معالي الرئيس، أخاطب فيك الضمير الإنساني للتحرك خارج إطار المكتب، وأنت من أمضى جل خدمته في القطاع الحكومي، وعرف أن أخطر ما يمكن أن يصطدم به المواطن هو (العك) أو التلكؤ الورقي، المعروف بـ"البيروقراطية". فهذا (العك) ما زال يمارَس بشكل يومي ومعلن، وعلى مدى عقود، وهو السبب وراء تخلف معظم مشاريعنا وتعطل عجلة التنمية عن الدوران، بل عدم اكتمال بناء الإنسان العامل الحاسم في نجاح خطط التنمية. فكيف يتعطل رصف أو تعبيد طريق على مدى عقدين من الزمان دون أن تضع له الجهة المعنية نهاية، وتكتفي بالرد الصاعق "في الميزانية القادمة إن شاء الله"؟ فأي ميزانية تتحدث عنها؟ وحسب علمي، فإن الميزانيات إنما تُرصد بناءً على حاجات محددة مسبقاً من قِبل قطاعات الحكومة، وعلى ضوئها تتم عملية اعتماد ميزانية كل قطاع، فلماذا لم تدرج مسافة عشرة كيلومترات ضمن بنود ميزانية القطاع؟
 
أتوقع أن أجد لدى معاليكم الرد، فأنت المسؤول هنا، أمام الله ثم أمام ولاة الأمر.
وختاماً، أذكركم بالرسالة الشهيرة في منشور الهيئة، ومفادها "من حقكم سلوك طريق خال من الحفر والمطبات والعوائق. نأمل التبليغ عما تلاحظونه من إهمال وقصور حول ذلك". اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org