نهاية الحروب بفناء الشعوب!

نهاية الحروب بفناء الشعوب!
تأمَّل.. تجد أن أكثر الشعوب التي تتلقى نصائح وتوجيهات من الآخرين هم المسلمون! فالنصح عمل تعبدي مأمور به كل مسلم "الدين النصيحة".
 
ولأن الإسلام دين مرن، وصلاحه في كل زمان ومكان، فتلك الخاصية تمنح لكل مسلم يمكنه الاجتهاد أن يتأول من الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية في توجهه ومنهجه وطريقته، فإن ضَعُف الرأي الحق من العلماء الراسخين ومن لاجتهادهم القبول في عامة الأمة فإن الرأي الشاذ والخاطئ يبرز ويطغى، ويلحقه أتباع ومقلدون على جهل وهوى وضلال.
 
من هنا نعلم أن مكانة العلماء كبيرة وعظيمة في خلق التوازن الفكري والاعتقادي والمنهجي بين أبناء المسلمين في القُطر الواحد، وعلى مستوى العالم الإسلامي، بأن يكون تدينهم وفقاً لوسطية الإسلام، وألا يكون للمتعالمين ثغرة لعامة المسلمين؛ حتى لا يُضلوهم.
 
ولو تأملت – وللأسف - كثيراً من المسلمين مع ما يتلقونه من زخم التوجيه وجزالة النصح فإنك تجد التطبيق يختل بسبب فهم الإسلام فهماً مغلوطاً.
 
فالمناصحة ممن ليس كفؤاً سببٌ في وقوع بعض الشباب في تناقضات وتضارب في الآراء؛ ما يجعلهم يأخذون من عقولهم مباشرة، كما حصل في عهد عثمان وعليّ رضي الله عنهما، عندما صار التأول في بعض الأمور، فخرجت فئة الشذوذ والعقوق من الخارجين على الإسلام وأهله، الجهلة المارقين، سفهاء الأحلام وصغار الأعمار، حين خرجوا بالسيف على المسلمين وأميرهم، يحصرون الدين بفهمهم، فيكفّرون من شاؤوا، ويفسّقون ويقتلون باسم الإسلام، ويدّعون دولته، بذرتهم يهودية من ابن سبأ اليهودي، يجمعهم جهل أوصلهم للغلو في الدين وتكفير المسلمين بالذنوب.
 
{مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ. وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. فهؤلاء الخوارج عكسوا الآيات، فأرهبوا المسلمين وروَّعوهم.
 
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "..الفساد الظاهر كان في الخوارج: من سفك الدماء، وأخذ الأموال، والخروج بالسيف؛ فلهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم، والأحاديث في ذمهم. والأمر بقتالهم كثيرة جداً، وهي متواترة عند أهل الحديث..".
 
أما دارهم فهي دار الهجرة وإيمان!! ودار المسلمين عندهم دار كفر وحرب، يخرجون عندما تفترق الأمة، ولا يكون لها منهج واضح. قال شيخ الإسلام: ".. وكان شيطان الخوارج مقموعاً لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، فلما افترقت الأمة في خلافة علي رضي الله عنه وجد شيطان الخوارج موضع الخروج، فخرجوا، وكفّروا علياً ومعاوية ومن والاهما، فقاتلهم أولى الطائفتين بالحق علي بن أبي طالب، كما ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من الناس، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق..)" مسلم.
 
ومن جهل الخوارج أنهم يقتلون المسلمين ويتركون الكافرين!
 
قال ابن حجر رحمه الله: "إن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة!" فقالوا: نفي لهم بعهدهم، وتركوا قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين. وهذا كله من آثار عبادة الجُهَّال..".
 
وما انحرف هؤلاء الشباب الخارجون على دينهم إلا لما شُوِّه الإسلام من بعض أبنائه ما بين تطرف متشدد يعبد الله على جهل وضلال، ومتحرر ليبرالي لا يدين بدين، ولا يرضى إلا بعقله وهواه وحرية نفسه الأمّارة بالسوء. والساحة اليوم لطلاّب العلم المدركين لمآلات الأحداث ومن يستشرف المستقبل بعقل وشرع ووسطية، حتى يخرج لنا جيل وسطي كما يريد الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}، ومَن تدينه طاعته لولي أمره وبقاؤه مع جماعة المسلمين حتى لو خالفوه الرأي، وأن يغلب رأي الجماعة على الفرد، وأن يأخذ بمآلات الأمور لا بآنيتها.
 
والحروب المميتة الطائفية بعيداً عن الحوار والحجة والبرهان والتعايش السلمي ووحدة المصير والوطن ستستمر ما دامت تنطلق من عقائد وقناعات يقدم فيها الفرد حياته ثمناً لقناعاته وطمعه في السيادة والرئاسة. هنا سنكون مثل حروب أوروبا التي دخل في أسبابها الاعتقاد الديني حتى أكلت جيلاً كاملاً في عشرات الأعوام، فما إن جاء الجيل الجديد إلا واستسلم وهادن للحياة والتعايش واحترام الوطن الواحد الذي يحوي كل الأطياف والعقائد.
كفى الله المسلمين شرّ التطرف تشدداً وانحلالاً، ورزقنا الله رشاداً واعتدالاً.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org