ما على المحسنين من سبيل؟!

ما على المحسنين من سبيل؟!
الأسوأ من استفحال الظواهر والمظاهر السلبية السيئة المسيئة للوطن والمجتمع معاً أن تتكشف مع تداعياتها ظاهرة أكثر سوءاً وأعجب! يحدث ذلك حين تتسابق أكثر من وزارة وجهة رسمية وأهلية باتجاه التنصل من مسؤولياتها عن فشل وإخفاقات متلاحقة في التصدي لظاهرة ما. تلتقي تلك الجهات "مجتمعة" على مساحة فضفاضة من الصلاحيات المتداخلة والأدوار والأهداف المشتركة، التي تصبح مع بيروقراطية الأداء الإداري والوظيفي المستشري فيها هامشاً معتماً، تفتّش فيه كل جهة "منفردة" عن براءة من "قميص" بدت السوءات جلية من رقعته التي اتسعت حتى لتستعصي على الراقع!
هنا مشهد مرْبك ومرتبك، يجسده واقع مكافحة "ظاهرة التسوُّل" التي باتت تشكّل همًّا اجتماعياً وأمنياً وأخلاقياً، تعيشه قرى ومدن ومحافظات ومناطق هذه البلاد على امتدادها، وسط مجتمع ينقسم على نفسه تبعاً لتباين وجهات النظر المختلفة، التي يبدع في نقدها وتحليلها المسؤولون والنخب، بينما هي نذير بأخطار وشرور، عند من يقدّرون حجم المخاطر من العامة! وقد باتت فرص تحديد المسؤول عنها مباشرة شبه مستحيلة إن لم تكن كذلك!
وها هو المشهد اليومي يعج بالمتسوِّلين المنتشرين على قارعة الطريق! في وضح النهار وتحت الشمس! وفي دائرة الأضواء، عند إشارات المرور، وعلى أبواب المساجد والجوامع، وعند ماكينات الصرْف الآلي، وفي مداخل المدارس والمستشفيات والمطاعم، وعلى أرصفة الشوارع والمجمعات التجارية والأسواق الشعبية والمولات، داخل المدن وفي القرى! بعد أن تخطى المتسوّلون الحدود ـ إن سلّمنا بأن 98 % منهم من مخالفي أنظمة الإقامة حسب إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية ـ وقطعوا مئات الكيلومترات؛ ليصبح وجودهم أمراً واقعاً ومزرياً! لا يُسأل عنه المواطن الذي تُصوَّب نحوه سهام الاتهام بالتواطؤ والتقصير في شأن يمسه ويسيء للوطن! وفي ذلك إجحاف بحق المواطن لا ينبغي!
وحسناً تفعل وزارة الشؤون الاجتماعية وهي تطلب إحالة هذا الملف الثقيل إلى وزارة الداخلية! وهذا اعتراف يحسب لجهة اكتفت بتخصيص خط هاتفي "ساخن"، أشهرته للمواطنين لإبلاغ مكاتب مكافحة التسول عن وجود حالات لمعالجتها في المكان والزمان المناسبين! وكأنما استعارت من المواطن عينيه لترى وترقب وترصد بهما ما يتوجب على مراقبيها رؤيته ورصده! مكتفية بالإبقاء على آذان منسوبيها مفتوحة لسماع رنين الهاتف واستقبال بلاغات المواطنين عن متسولين لا تحتاج رؤيتهم لأعين زرقاء اليمامة!
فأي لوم يتحمله مواطن أخذته الشفقة بمحتاج؟! وأي حجة واهية يركن إليها من غابت أدوارهم وكوادرهم عن المشهد؟! مستفيدين من هامش مسؤولية مشتركة بين أكثر من جهة وقطاع، يفترض أن تؤطر مهامها باستراتيجية واضحة وخطط مدروسة وصلاحيات ومهام واضحة محددة، ومن ثم تأتي دعوة المواطن (منطقية) لتحمُّل مسؤوليته كداعم رئيس للجهد الرسمي، بحسه الوطني المعهود، وغيرته على صورة مجتمعه ناصعة مشرقة وفي أحسن حال يرجوه الجميع لهذا الوطن الغالي وشعبه الكريم.. والله لا يغيّر علينا!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org