أجمع أهل العلم على جواز الأنساك الثلاثة، واختلفوا في أفضلها. وقال بعض أهل العلم: إن الإفراد أفضل، وهذا قول مالك وأصحابه، والشافعي في الصحيح من مذهبه، وقال النووي في شرح المهذب: "وبه قال عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين". وقال الشنقيطي: "إن الإفراد هو الذي كان الخلفاء الراشدون يفعلونه، وهم أفضل الناس وأتقاهم، وأشدهم اتباعًاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس مفردًاً، وحج عمر- رضي الله عنه - عشر سنين مفردًاً، وحج عثمان - رضي الله عنه - مدة خلافته مفردًاً. ومدة هؤلاء الخلفاء الراشدين الثلاثة نحو أربع وعشرين سنة، وهم يحجون بالناس مفردين، ولو لم يكن الإفراد أفضل من غيره لما واظبوا عليه هذه المدة الطويلة( ). وذهب أبو حنيفة وأصحابه، وسفيان وإسحاق، وغيرهم من أهل العلم، إلى أن القران أفضل، وذهب الإمام أحمد - رحمه الله - إلى أن التمتع أفضل، والراجح أن التمتع هو أفضل الأنساك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بذلك، وهذه الأفضلية لأن في التمتع رحمةً وتيسيرًاً؛ لأن الحاج بعد قدومه يعاني وعثاء السفر، فيحتاج إلى التمتع بالحل. لكن هذه الفوائد التي ينالها المتمتع يستفيد منها مَنْ قدم إلى مكة قبل الحج بأيام، أما مَنْ قدم إلى الحج في آخر يوم السابع، أو صباح الثامن، فإنه قد لا يتمكن من التمتع لعدم وجود الوقت الكافي الذي يحصل من خلاله على هذه الفوائد؛ لأن الحاج يُسن له أن يحرم في صباح يوم الثامن، أما مَنْ قدم في آخر يوم السابع فإنه قد لا يستطيع أن ينهي عمرته إذا كان متمتعًا إلا في آخر اليوم، بل ربما لم يستطع إلا في صبيحة يوم الثامن، وهنا لا يتأتى له التمتع، بل تجده لا يتمكن حتى من خلع ملابسه.