المربعات الفارغة والجيوب الممتلئة

المربعات الفارغة والجيوب الممتلئة
في كل دول العالم لا يمكن أن تقوم الدولة بأجهزتها الرسمية بكل الأعباء؛ فهي تقوم بما لا يستطيع الأفراد والمؤسسات الخاصة القيام به، كما تضمن الدولة توفير البنية الأساسية التي تسهل عمل الأفراد والمؤسسات الخاصة على الوجه الأكمل.
 
 ودائماً ما تترك الدولة - رغبة منها، أو من غير رغبة - مربعات فارغة؛ لتقوم مؤسسات المجتمع والأفراد بملئها إذا رغبوا في ذلك، وتقدم لهم من التسهيلات التي تضمن وجودهم بقوة في تلك المربعات، مساهمة منهم في تنمية مجتمعاتهم، وهو الأمر الذي يعود عليهم بالنفع أيضاً.
 
أقول هذا على خلفية إلحاق أكثر من 46 ألفاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، كانوا على قوائم الانتظار لأكثر من عام، بالمشمولين بخدمة الإعانة الشهرية، وإدراجهم ضمن المستفيدين من المكرمة الملكية بصرف إعانة شهرين إضافيين، بما يبلغ 865 مليون ريال تقريباً.
 
هذه الآلاف من ذوي الإعاقة من المواطنين كانوا على قوائم الانتظار، ولم يتحرك أحد من أصحاب الجيوب الممتلئة والمنتفخة لينتشلهم من هذه الحياة التعيسة، أو يوفر لهم سبل عيش كريم، حتى تقدمت الدولة بتقديم المعونات اللازمة لهم، وهم يستحقون أكثر من ذلك، وحسناً فعلت الدولة.
 
إن أصحاب هذه الجيوب لا يبخلون بالملايين على لاعبي الكرة، الذين أصابتهم التخمة من كثرة ما يُغدق عليهم من الهبات والعطايا والهدايا والأموال من غير استحقاق، ومن غير عمل يستحقون عليه ذلك، فيما الآلاف من أبناء الوطن ينتظرون إعانات الدولة!
وهم ربما يظنون أن ما بين أيديهم من المليارات والملايين نتيجة عرقهم وجهدهم، ومن بنات أفكارهم وقوة سواعدهم فقط، وهذا فَهْم منحرف منقوص؛ فالدولة هي من وفرت البنية الأساسية، ووفرت سبل الاستثمار لأمثال هؤلاء، ثم هم لا يدفعون ثمن ذلك، ويجحدون وطنهم ومواطنيهم.
 
ولعلك تدهش حينما تعلم أن المؤسسات التكافلية والاجتماعية في الغرب هي أكثر مما في بلاد المسلمين بعشرات المرات، وفي الدول الاسكندنافية تفرض ضرائب عالية جداً على رجال الأعمال والمؤثرين في مقابل ما تتكفل به الدولة من توفير البنية والمناخ المناسب للاستثمار، وتعود حصيلة تلك الضرائب على المعوزين وأصحاب الحاجات لتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع.
 
أشعر بأننا في حاجة إلى مثل هذه القوانين لحمل أصحاب الأيدي المرتعشة على المساهمة في ملء المربعات الفارغة، على اعتبار أن الفجوة الهائلة بين قمة الثراء الفاحش وقمة الفقر المدقع هي من أسباب الخلل الاجتماعي الذي تتأذى منه الدول والحكومات والشعوب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org