السينما والسحر الأسود

السينما والسحر الأسود
ما كنت أرغب في الحقيقة في أن أدخل في الجدال الذي بدأ يتسلل من جديد إلى ساحتنا الفكرية الاجتماعية والدينية، الذي يطل برأسه على فترات، متقاربة أحياناً، ومتباعدة في أوقات أخرى، وهو أشبه ما يكون بعملية "جس للنبض" وردود الأفعال.
 
الحديث عن دور السينما في السعودية فيه كثير من الدجل والنصب الفكري والإعلامي، أكثر من الطرح الجاد، الذي يستحق التأمل والدراسة وإعمال الفكر. فمن يفجر هذه القضية، في غالب الأحيان، يحاول أن يدلس على القارئ، ويضع السحر الأسود بين طيات الكلمات.
 
وللتذكرة نقول: إن أول من أدخل دور العرض السينمائية إلى السعودية هم الموظفون الغربيون في شركة كبرى في مجمعاتهم السكنية الخاصة بهم خلال فترة الثلاثينيات الميلادية حتى بداية السبعينيات، وأصبحت متاحة للمواطنين السعوديين عبر الصالات السينمائية للأندية الرياضية، التي أُغلقت بداية الثمانينيات الميلادية.
 
ثم علينا بداية أن نثبت أننا أمام قضية جدلية، تطرح - كما أسلفنا القول - على فترات على ساحتنا الفكرية، وما زالت فتاوى كبار العلماء بالسعودية على المنع من ذلك؛ لما يرونه من مفاسد كثيرة، تحيط بإنشاء هذه الدور في السعودية، ويرون أن للسعودية خصوصية دينية، لا تسمح بوجود السينما من حيث المبدأ.
 
هذا هو جانب من القضية..
والجانب الآخر هو من يرى ضرورة لإنشاء السينما، ويراها حتمية مجتمعية، وبمجرد فتح هذه الدور ستحل أكثر من ثمانين في المائة من قضايانا؛ فسوف ينتهي الإرهاب الأسود من مجتمعنا، وستتاح فرص عمل، تفترس البطالة افتراساً، وتجعل الشباب في رغد من العيش، وستكون المساكن بريالات معدودات، وفي متناول كل مواطن في السعودية.. إلخ.
 
وبعض من يروج للسينما في السعودية يحاول جاهداً، كذلك، أن يقنعنا بأن البلد الذي ليس فيه سينما هو بالقطع بلد متخلف عن ركب الحضارة والعالم؛ لأن السينما من الضروريات، وليس من الحاجيات ولا الكماليات، في استعارة لمصطلحات الأصوليين والفقهاء.
 
ويستمر في سحره الأسود مدعياً أن ملايين السعوديين ما يدفعهم للخروج والسياحة في البلدان المجاورة إلا السينما، وبلدنا أحق بهذه الملايين التي تمتلئ بها خزانة الدول المجاورة من جيوب عشاق السينما السعوديين المغلوبين على أمرهم، الذين تحترق أكبادهم شوقاً للسينما.
 
والحقيقة أنني لست بصدد ترجيح الآراء هنا، ولا تدعيم رأي على آخر، لكني فقط أشير إلى أمرين مهمين:
الأول: أن ساحتنا الداخلية، الاجتماعية والسياسية، تعج بالقضايا الملتهبة، التي تحتاج إلى أن نلقي الضوء عليها، ونزيدها بياناً، بما لا يدع مجالاً للقضايا الهامشية أن تلفتنا عن الأولويات، فنغرق في تفاصيلها، وننسى ما هو أهم وأدق وأخطر على مستقبلنا ومستقبل بلدنا.
 
الثاني: إن كان ولا بد من عرض تلك القضايا فلا بد أن نحترم عقلية القارئ والمشاهد، ونضع بين يديه الأسباب والمبررات الحقيقية، دون ممارسة لإرهاب فكري أو علمي، ودون دجل وممارسة سحرية، تلبس عليه الرؤية، وتجعله يسير على غير هدى.
 
أيها " السينمائيون".. أفصحوا عن الأسباب الحقيقية!!.. يرحمكم الله

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org