المُعلِّمان

المُعلِّمان
هُما خطيب المسجد ومعلم المدرسة، ففي المسجد والمدرسة استماعٌ وإنصاتٌ للزاد الفكري والغذاء الروحي وبناء الانسان. ويتضمن كتاب الله والسنة النبوية صلاح الدنيا ونعيم الآخرة وبناء الإنسان السوِي، وتزدان مناهجنا بكَمٍ من القيم، وفيض من الفضائل وفي كل جمعة يُنصت المصلون للخطيب، وفي كل يوم يخلو المعلم بالطلاب والكل يبني لكن هل نطبق ما نتعلمه؟! وهل الواقع والسلوك يحكي تلك القيم؟!
 
إن الجميع يسمعون ويتعلمون ويقرؤون كتاب الله، وتمُرُّ عليهم الآيات الزاجرة ويتلونها وكأنها عند البعض للقراءة والمعرفة القولية فقط، لكن عند التطبيق تسويفٌ وتأجيل وكأن تلك القيم وعظ وإرشاد قولي! عندما يهمُّ أحدنا بزيارة إحدى الدوائر الحكومية مثلاً فإنه يسأل هل من أحد يعرفه ليُسهل له الإجراء، ويُنجز المطلوب، وإن لم يعرف أحداً فالويل له! أين العدل؟ في سورة الرحمن توالت كلمة الميزان أربع مرات في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} نعم، هو العدل من كل فرد وفي كل شيء ومع كل أحد. أين القيم التي تعلمناها وأنها دين وعبادة؟! وأين نحن من قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}.
 
إنها مشكلة سلوكية كبرى يتحمّل المعلمون في المدارس، والخطباء والدُعاة في المساجد الوِزر الأكبر منها، وقد يسأل سائل ويقول: ولماذا يتحملون؟ نعم لأن بضاعتهم الفكر فهم القدوة للمجتمع والقدوة لطلابهم والنموذج الأمثل للآباء والأبناء، يجب أن يكون قولهم مثل فعلهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.. كنت في زيارة لمجموعة من المدارس اليابانية فرأيت المعلمين يتقدمون الطلاب لنظافة المدارس قدوةً وإخلاصاً، ونحن أُمة مسلمة هل نتذكر أننا سنُحاسَب ونُسأل؟! إن كل فرد منا سيلقى ربه وسيظل وحيداً من لحظة وفاته: {وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}، أي ما أعطيناكم في الدنيا من بنين وجاه ومال وكل أمور الدنيا سنتركها، وكلٌ سيحاسَب وحده: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
 
إن على المعلمين أياً كانت مواقعهم مسؤولية كبرى؛ فليست مهنتهم وظيفة محدودة الأثر بل هي أمانة ورسالة مُتعدية مُؤثرة، وليست وظيفة وأجراً في آخر الشهر، إن المعلم يقضي الساعات الطوال مع العقول الغضة يصوغها بقدر بذله وعطائه، ويُؤثر فيهم بقدر إخلاصه {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. قرأت أن أحد الصالحين من علماء السلف استوقفته هذه الآية ذات ليلة بعد أن قرأها الإمام في صلاة العشاء، فبقي في المسجد ممسكاً بلحيته طول الليل باكياً يردد: "حتى الذرة سوف أُحاسَب عليها"، إلى أن جاء مؤذن الفجر ونبهه لسرحانه وبكائه.
 
وخطباء المساجد يشاركون المعلمين تلك المسؤولية؛ فكل جمعة نستمع لمعلم الحي خطيب المسجد وننصت إليه، ولهذا ليت الخطباء يركزون على موضوع تطبيق القيم، ويعرضون نماذج من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وكيف طبّقوا وكانوا قدوة، فأثَّروا وسادوا وانقادت لهم الدنيا وبنوا حضارة، وبقيت سيرهم عطرة تتناقلها الأجيال.
 
أملي ورجائي. إنهم المعلمون في المدارس والمساجد مشاعل الوطن وشموس الأمة وبناة المستقبل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org