"الشعبنة".. عادة اجتماعية استغلها البعض في ممارسات خاطئة

جلسات عائلية وولائم ولهو بين الشباب.. و"النجيمي" يحذّر من خطورة البدعة
"الشعبنة".. عادة اجتماعية استغلها البعض في ممارسات خاطئة
- أستاذ علم الاجتماع التربوي: من سلبيات الرفاهية استغلال الشباب الشعبنة في ممارسة سلوكيات خاطئة
- رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية: أي شيء غير فضل الصيام في شعبان يعد بدعة
- عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي: أدعو الأسر لاستغلال "الشعبنة" في تذكر فضائل شهر رمضان واستعراض السيرة
- السحيمي: أصبحت الشعبنة اسماً فقط واختفت قيم اجتماعية أصيلة كانت تميزها
 
 
دعاء بهاء الدين، ريم سليمان– سبق– جدة: "الشعبنة" كلمة تعود في نسبتها إلى شهر شعبان، تُمارس فيها عدد من العادات القديمة التي توارثها أهل الحجاز منذ أكثر من 90 عاماً،
 
وتعد من العادات الأصيلة عند أهل الحجاز والمدينة المنورة للاحتفال بنهاية شهر شعبان، وقدوم شهر رمضان الفضيل، فتقوم الأسر بالاحتفالات وإقامة الموائد للتقارب بين أفرادها.
 
وهناك من وصفها بوسيلة جيدة للتواصل الاجتماعي قبل أن ينتشر الفيس بوك وتويتر، إلا أنه وفي الوقت الحالي ظهرت بعض فئات من الشباب حرفوا تلك العادة الأصيلة.
 
"سبق" تتعرف على مظاهر الشعبنة في الوقت الحالي وحكمها الشرعي:
قال المهندس أحمد الدعيق لـ"سبق": لا أشعر برمضان من دون شعبنة شعبان، مبدياً سعادته بهذه العادة الجميلة، وقال: "هي عادة جميلة، تجتمع فيها الأسر في نهاية شعبان وتودعه، للدخول في شهر الصوم"، موضحاً أن الغرض من الشعبنة نهاية المرح السنوي، والتوقف لشهر كامل من العبادة .
 
وعبّرت  فاطمة محمد المشولي "بكالوريوس علم نفس" عن سعادتها بحلول شهر شعبان، وقالت: "أتذكر طفولتي وعبق الماضي الجميل في بيت أسرتي، فما زلت بعد زواجي أحرص على "الشعبنة السنوية" وأُقيم الولائم وأجتمع مع نساء العائلة، نتسامر ونلهو بكل براءة، بعيداً عما يخدش ديننا وعاداتنا" .
 
فيما عبّر أحد الشباب عن فرحته بعادة الشعبنة بقوله: "هذه عادة آبائي وأجدادي، وأرى أن الشعبنة فرصة للترويح عن النفس، أذهب مع أصدقائي في نزهة برية ونتسامر بالألعاب الشعبية، ونلهو ونرقص في يوم يغمرنا بالسعادة، ونتذكر معاً طفولتنا في رمضان".
 
وقالت إحدى الفتيات لـ"سبق": "أنتظر كل عام شهر شعبان لأجهز مع والدتي أغراض شهر رمضان، واشتري ملابس جديدة، وأجتمع مع بنات العائلة وصديقاتي، ونتسامر ونغني ونرقص، وتقيم أسرتي الولائم، وتجتمع عائلتي في مشهد رائع يدخل البهجة على نفوسنا" .
 
ومن جانب آخر أبدى أحد الشباب تعجبه من زميله الذي  يقترض سنوياً ليسافر لإحدى الدول العربية، لـ"يشعبن" وقال: "زميلي يسافر كل عام في شعبان، ويرسل لنا صوره في أماكن مخالفة لعاداتنا وتقاليدنا"، رافضاً المظاهر الاجتماعية التي تجعل الشباب يخالفون العادات والتقاليد تحت مسمى "الشعبنة"، فيما استنكر أحد الآباء مفهوم بعض الشباب للشعبنة، وقال: "للأسف بعض الشباب يتخذ الشعبنة ذريعة لارتكاب المعاصي، لأنه يرى من وجهة نظره أنها ترفيه، وأن شهر رمضان سوف يمحو ذنوبه الماضية".
 
وعبّر أحد الأجداد عن أسفه لاختفاء مظاهر الشعبنة الحقيقية، وقال لـ"سبق": "أصبحت الشعبنة اسماً فقط، واختفى المضمون الحقيقي منه، في تجمع العائلات والتواصل الاجتماعي ، وما زلت أنا وبعض أصدقائي نحافظ على هذه العادة  السنوية الجميلة التي تقوي الأواصر الاجتماعية" .
 
اختفاء مضمون الشعبنة
استرجع الكاتب محمد السحيمي عادة الشعبنة قديماً وقال:"إنها ظاهرة اجتماعية أوجدها الناس من أجل التواصل الاجتماعي بينهم"، مضيفاً أن "الناس في الحجاز كانوا يمارسون الشعبنة للقاء الأحبة أو لوداعهم لمن ينوي الحج."
 
وأوضح أنها كانت مناسبة اجتماعية ارتبطت بالدين لأنه أكثر جاذبية، وتصادف قبل شهر رمضان، مشيراً إلى أن شهر شعبان كان توديعاً لأكل اللحوم والموائد الدسمة، حيث رمضان قديماً كان يخلو من تناول اللحوم.
 
وأبدى السحيمي أسفه لاختفاء مضمون "الشعبنة"، وقال:"ظلت الشعبنة اسماً فقط واختفت القيم الاجتماعية الأصيلة التي كانت تميزها، ولم يعد يتمسك بها سوى كبار السن في أماكن محدودة، والذين يعيشون على عبق الماضي، ويتشبثون به في زمن تقطعت فيه الأواصر الاجتماعية".
 
ولفت إلى أن "الشعبنة" حُمّلت أكثر مما تستدعيه كظاهرة اجتماعية، فأطلق عليها "بدعة"، وأصبحت خاوية من مضمونها الاجتماعي.
 
وبسؤاله عن استغلال البعض لـ "الشعبنة" في ممارسات خاطئة أجاب: "بعض الشباب للأسف لم يعايش المضمون الاجتماعي لها، وشوه هذه العادة الاجتماعية الجميلة بممارسات خاطئة في سفره إلى الخارج، وممارسة بعض السلوكيات المكبوتة التي لا يستطيع ممارستها داخلياً".
 
عادات اجتماعية
وأفاد لـ"سبق" أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة أم القرى الدكتور "محمود كسناوي" بأن "الشعبنة" من العادات الاجتماعية القديمة في منطقة الحجاز للاحتفال بقدوم شهر رمضان"، موضحاً أنها تجمّع للأهل والأقرباء والأصدقاء والجيران، وقال: "في آخر إجازة أسبوعية في شهر شعبان؛ يتجمع  الأهل والأصدقاء ويخرجون في نزهات جماعية، ويلعبون ألعاباً شعبية، ويتسامر الشباب فيما بينهم احتفالاً بقدوم رمضان" .
 
وأكّد أن "الشعبنة" ما زالت موجودة حتى الآن ولم تندثر، وهي امتداد لعادات الآباء والأجداد القديمة، موضحاً أنها احتفالات تقيمها الأسر والأصدقاء داخل المملكة، وليس في الخارج، منتقداً المفاهيم الخاطئة لدى بعض الشباب التي تستغل "الشعبنة" في ممارسة سلوكيات خاطئة، وقال: "هذه من سلبيات الرفاهية والحياة الاستهلاكية في بعض الأسر، فيسافر بعض الشباب للخارج  على سبيل الترفيه، والآخر ربما يمارس سلوكيات تتنافى مع الآداب الإسلامية" .
 
عبادات توقيفية
أما رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية في الرياض وعضو بمجمع الفقه بجدة الدكتور"محمد النجيمي"، فرأى أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان لا أصل له، حيث وردت أحاديث ضعيفة في فضل نصف شعبان، إلا أنها ضعيفة ولا يصح الاحتجاج بها، وقال: "أي شيء غير فضل الصيام في شعبان يعد بدعة، فقد كان الرسول عليه أفضل السلام يكثر من الصيام في شهر شعبان، وغير ذلك فهو مخالف لسنة الرسول عليه السلام".
 
واسترشد بالحديث الشريف "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود عليه بمعنى إثم بحدث في دين الإسلام.
 
 وعن الشباب الذين فهموا أن "الشعبنة" هي اللهو والترفيه في شعبان وقبل شهر رمضان الفضيل، فقال: "من يرتكب محظورات فتأخذ حكم التصريح بالمعصية وهذا عقابه شديد".
 
وأوضح أن العبادات تعد توقيفية أي متوقفة على الدليل من الكتاب والسنة، ولا يجوز أن نشرع في أمر عندنا، مشيراً إلى خطورة أن تتحول العادات إلى عبادات وهذا من أكبر مخاطر البدعة، ناصحاً الجميع أن يتقوا ويمتثلوا لأمر الله ورسوله، وختم حديثه بتأكيد الحديث الشريف "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .
 
ترفيه مباح
وحول الرأي الشرعي لظاهرة "الشعبنة" أكّد لـ "سبق" عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور حسن بن محمد سفر، عدم وجود نص شرعي يُحرّم ترفيه الإنسان المباح عن نفسه، انطلاقاً من قول الرسول"روّحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة،  فإن القلوب إذا كلّت عميت"، وقال: "الأصل أن يكون الترفيه بريئاً وليس سيئاً ، فإذا خرج عن الإطار الشرعي أصبح محرّماً".
 
وقال: "هناك ضوابط شرعية للفسحة والمرح؛ في حدود ما سماه علماء الشريعة بـ" الآداب الشرعية " وهي سلوك الإنسان وفق ما حدده الشرع الحكيم، وليس ما حرمه، موضحاً أن المسلم حريصٌ على استثمار وقته فيما يفيد دينه، وقال: "إذا كانت الزيارات العائلية وفقاً للآداب الإسلامية، وكان اللهو بريئاً ؛فهذا فيه أجري الدنيا والآخرة ."
 
ظواهر سلبية
بينما انتقد الظواهر السلبية في الشعبنة، كالبذخ في إقامة الولائم، واللهو غير المباح، وسفر الرجل إلى الخارج بمفرده وتركه لأهله، مشدداً على أن هذا منهي عنه شرعاً، وتساءل: "لماذا لا تكون الشعبنة في إطار الشريعة الإسلامية؟" داعياً الأسر لاستغلال الشعبنة في تذكر فضائل شهر رمضان، واستعراض السيرة النبوية، وكيفية مرح النبي ومزاحه، معتبراً هذه حوافز للنفس للتمسك بالخلق القويم في رمضان.
 
وطالب ابن سفر أئمة المساجد بتوعية الناس؛ أن شعبان فرصة لتهيئة واستعداد النفس للطاعة في شهر رمضان، وليس مظاهر بذخ وضياع للأموال والأهل، مؤكّداً أن شهر رمضان يستلزم استعداداً جسمياً وروحياً؛ حتى نتأهل لما يرضي الله في الشهر الفضيل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org