الإسلام بين طرفَيْ التكفير والإلحاد..!

الإسلام بين طرفَيْ التكفير والإلحاد..!
التطرف مشكلة مستمرة في التعايش البشري، تنطلق من القيم والمثل والأيديولوجيا التي تتجذر في العقل، وتتمثل في السلوك، وهي ظاهرة تؤثر في غيرها، ويتأثر بها غيرها، وترتبط بالمؤثرات التاريخية والعرقية والمعرفية والدينية والاجتماعية التي ينشأ فيها مجتمع ما. وكل أمة فيها تطرف، والتطرف في الدين أكثرها خطراً؛ لأن الدين تنجذب إليه النفوس، فكيف إذا كان دين الإسلام، دين الفطرة البشرية؟ والتدين الوسط مأمور به {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً}.
 
فلو جعلت مثالاً للتدين الوسط بحساب الأرقام الرياضية فاجعل نقطة (صفر) هي الوسط، ولتكن جهة اليمين إلى مئة نقطة تبدأ بالوسطية في التدين وصولاً للتشدد فيه لأقصى ذلك ( 100). وهكذا في الجهة الشمال، تبدأ بالأقل تدينا حتى تصل لأقصى نبذ للدين (-100).
 
هنا المطلوب من الوسط - وهم قلة - أن يبذلوا جهوداً مضاعفة في بيان تلك المنزلة، وصحة الوقوف عندها، وعدم تجاوزها يميناً وشمالاً؛ حتى يكون المسلمون في تلك المنزلة التي أرادها الله تعالى لنا جميعاً.
 
فأي حدة في التدين يجب أن تكسر، ولو بالقوة، وكذا الانحلال؛ لذا تجد المتطرف متعصباً لرأيه، ويُسيء الظن بالآخر، وله نظرة أحادية، ويحصر العلم في أفراد يختزل بهم مجموع علماء الأمة، ويحاسب على فروع الدين بل يُخرج المسلم منه بتكفيره وتفسيقه وإباحة دمه لأدنى شبهة، وبلا سلطة شرعية!
 
ولعل ما يخفف هذا التطرف أن يعم المجتمع مناشط وثقافات، تؤدي إلى بلورة عقول النشء وفقاً للوسطية، بعيداً عن لغة القوة والتنفير. فالدولة –وفقها الله- تعاملت مع التطرف بحوار ومناصحة، ووصل الأمر لقلة إلى التوقيف والمحاكمة. وعندما يتجاوز التطرف إلى كارثة مجتمعية فإن القوة والحسم هما الحل، ولا مواربة؛ فحفظ الدين والنفس والعقل والعِرض والمال ضرورة أتت بها شريعة الإسلام، بل كل الشرائع، لرعايتها والمحافظة عليها.. وأي عبث بها دمار للبشرية؛ وهنا يتفق البشر كلهم على حمايتها والدفاع عنها.
 
وأي تقصير فكري وتوعوي وسطي يؤدي إلى فسح المجال لأصحاب الجهات المتطرفة أن يجذبوا من يستهدفون لتطرفهم.
 
وهنا أيضاً نلحظ بشكل اعتيادي أن أي تجاذب بين الطرفين يتعاطف معه كل من هو في اتجاه الطرف اليمين أو الشمال. قد لا يكون اعتقاداً وديناً، وإنما ثأر فكري وحمية.
 
والاختلاف سُنّة ماضية بين البشر {.. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك..} فجعل الله عقلاء من البشر للموازنة بين التطرف تشدداً وانحلالاً.
 
فالتطرف بمظاهره الفكرية والدينية والسلوكية يرهب المجتمع، ويدفعه إلى دوامة العنف والموت والتخلف، ويشل عقول أفراده بل مجموعه من الإبداع في التفكير، وحل المشكلات، ورفاهية الحياة وأمنها واستقامتها، ونفع البشرية جمعاء.
 
ولن أنسى نصيحة أستاذ جامعي لي عندما خاض الشباب وقتئذ في قضية رأي عام لم تتضح.. يقول: "أوصانا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- ونحن في أعماركم عندما خاض الناس خاصتهم وعامتهم في حادثة الحرم بداية الـ1400 هجرية بأن نمسك اللسان حتى تنقشع الفتنة، وأن نترك الحديث للعلماء الراسخين، وأن ولي الأمر يرى ما لا يراه العامة. وردد قوله تعالى {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}. وكذا أوصيكم".
 
فأخذت بها، ورأيت خيراً كثيراً في البُعد عن الولوغ في غيبة الآخرين، والخوض فيما لا يعني، وترك الأمر لأهله.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org