الترقية حقٌّ مكتسب وليست مكرمة

الترقية حقٌّ مكتسب وليست مكرمة
حين أثرتُ هذا الموضوع للمرة الأولى كان التفاعل من قِبل الموظفين كبيراً، ولاسيما ممن عانوا تأخُّر ترقياتهم، خاصة ممن ظنوا أن الترقية تفضلٌ من المسؤول، وليست حقاً أصيلاً لهم..
ولكن من المؤسف أن هذا التفاعل لم يصاحبه أيُّ ردِّ فعل من الجهة المختصة، بالرغم من أن على رأسها رجلاً فاضلاً، حرك المياه الراكدة، ولكن لعل هذه الجهة لم تطلع على مضمون ذلك المقال؛ لذا فلعل في الإشارة إليه مرة أخرى ما يوصل إلى الهدف منه؛ فتتم دراسة مضامينه بنظرة موضوعية.
 
فالمرتبة هي حصاد السنين للموظف؛ إذ تدل غالباً على سنوات خدمته؛ لذا فإن الترقية مهمةٌ جداً لديه، وهو في الغالب حين التحاقه بالعمل يسأل عن فرص الترقية في الجهة التي يلتحق بها؛ ذلك أن لها أثراً مادياً ومعنوياً. فالأثر المعنوي يتمثل في شعوره بالتقدير والنجاح، والأثر المادي يتمثل في زيادة دخله المادي الذي يستمر معه حتى بعد التقاعد، وهذا - بدون شك - ينعكس إيجاباً على تفانيه وإخلاصه في العمل.
 
وهنا يثور التساؤل عما إذا كانت الترقية منَّة وتفضلاً من الجهة الحكومية على موظفيها؟ أم أنها حقُّ مكتسبٌ لهم؟
لقد هالني حقاً اعتقاد بعض المسؤولين عن إدارات شؤون الموظفين أن الترقية ليست حقاً مكتسباً مستندين في ذلك إلى أن لائحة الترقيات نصت على (جواز) وليس (وجوب) الترقية!
وهو ما سنوضح أنه اعتقادٌ خاطئ، تغلفه درجةٌ من درجات التعالي الممجوج.
 
وابتداءً، وللإيضاح، نتعرض لصيغ الترقية في السعودية. فالترقية تعرَّف بأنها: نقل الموظف من المرتبة التي يشغلها إلى مرتبة أعلى، وذلك استناداً إلى الأقدمية أو الاختيار أو الاختبار.
 
فالترقية بالأقدمية تتخذ من مدة عمل الموظف أساساً لها. ولها مزايا، أهمها: سهولة تطبيقها لكون معيارها المدة، وهذا مطمئن للموظف، وهي تحقق العدالة، فضلاً عن كونها مكافأة للموظف عن سنوات خدمته، إلا أن عيبها أنها تُساوي بين المجدِّ وغيره، وهذا فيه ظلم للمُجِدِّ، كما أنها قد تؤدي إلى التراخي في العمل، لشعور الموظف بأنه مهما عمل لن يترقى إلا بإكمال المدة، فضلاً عن إضعاف فاعلية الرؤساء على مرؤوسيهم؛ لكونه لا يصبح لهم رأيٌ في تقرير أمور ترقيتهم لارتباطها بالمدة.
 
أما الترقية بالاختيار فهي أن تقوم الإدارة بترقية بعض موظفيها على أساس الكفاءة. ولها مزايا، منها: تشجيع الموظفين على التفاني في العمل أملاً بالترقية وشغل المواقع القيادية بالجديرين.. لكن عيبها صعوبة وضع معايير للكفاءة، كما أنها قد تتم لاعتبارات شخصية، كالقبلية أو المناطقية.
 
أما النوع الثالث فهو عن طريق المسابقة أو الاختبار. وعيبها أنها قد لا تعطي صورةً حقيقية عن كفاءة الموظف، فضلاً عن تأثر النتيجة بحالة الموظف الصحية والنفسية وقتها.
 
والترقية بأيِّ صورةٍ من الصور واجبٌ على الجهة الحكومية متى ما توافرت الوظائف، ولم يوجد لدى الموظف موانع للترقية، للأسباب الآتية:
1/ أن الترقية حقٌّ أصيل للموظف على جهته، مثل حقه في الراتب والإجازة والبدلات والمكافآت.. فما الذي يجعل البعض يُقرُّ بكل تلك الحقوق ويتوقف عند الترقيات؟
2/ أنه لا يجوز للجهة أن تنقل موظفين من جهة أخرى أو تعيين موظفين إذا كان لديها مستحقون للترقية على تلك المراتب؛ ما يعني أن وجوب ترقيتهم هو الذي أدَّى لعدم جواز النقل أو التعيين.
 
3/ أن الترقية حافز للموظف على الإبداع والإنجاز، كما أنها حافز لزملائه الأقل منه مرتبةً، الذين سيستفيدون من ترقيته بشغور مرتبته، وكذا عدد من الوظائف التي تليها، فتتم ترقيتهم بطريقة التتابع.
 
4/ ليس هناك سببٌ مقنع لتفسير البعض بأنه ما دام أن لائحة الترقيات نصَّت على جواز الترقية وليس وجوبها فإن الترقية ليست حقاً مكتسباً! وهو تفسير ناقص؛ ذلك أن الجواز لا يعني المنع، كما أن من البديهي أن النظام لم يوجب الترقية، لا لتتخذه الجهة ذريعة للمنع، ولكن لأن الجهة ربما لا يتوافر لديها حين استحقاق الموظف مراتب شاغرة؛ فقضى بالجواز حتى لا تترتب على الجهة مخالفة لعدم الترقية.
 
ولعل في هذا الإيضاح ما يحفز الجهة المختصة على إيضاح صواب هذا الرأي إذا كانت تراه كذلك، أو تبيان مبررات نقيضه إذا كانت لا ترى وجاهته. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org