الهيئة.. وقرع الطبول..!

الهيئة.. وقرع الطبول..!
في مقابلة سابقة (في صيد الفوائد) قال عميد المعهد العالي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "إن المرأة قد تعمل في مجال الحسبة متى ما دعت الحاجة بعد دراسة شرعية وواقعية..!". هنا يأتي دورك يا علامات الاستفهام "بعد دراسة شرعية وواقعية"، ونسأل من أي ناحية تتم الدراسة؟ وكيف ستكون الواقعية المطروحة والمأمولة؟
 
ويقول أيضاً: "إن الفجوة بين المجتمع ورجال الهيئة (فجوة مصطنعة)، يسوق لها البعض، رغم تأييد المجتمع لعمل الهيئة..!". كيف ذلك.. هل سياق الجملة متناقض، أم أن هناك تكملة لم تتم، أم أن هناك رؤى أخرى من التعبير يدركها البعض دون البقية..؟ وسؤال آخر: لماذا يحاول بعض ـ وأقول البعض ـ رجالات الهيئة أو المحسوبين عليها تزييف الحقائق، وتصوير أن هذا الجهاز منبوذ ومحارب وغير مرغوب فيه ومحارب من الإعلام؟ هل هي ذكاء لتمرير أجندات معينة، وترسيخ مفاهيم لا تؤتى إلا عن طريق سلك هذه القنوات المليئة بالعاطفة وكسب رضا الجماهير والمتلقي..؟
 
ويقول أيضاً في الموقع نفسه: "إن الهيئة (مضروب له الطبل) ولا توجد هناك موضوعية في التعامل معها بالشكل المطلوب، وهناك تضليل للرأي العام". وأنا أختلف مع ما ذُكر تماماً؛ كون الهيئة الآن أصبحت مع وجود الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ واضحة وشفافة، وتتعامل بشكل واضح مع القضايا والإعلام، ولا يمكن أن يتجاهل الإعلام دور الهيئة الإيجابي، ولكن مشكلتنا الأزلية أن البعض يتحسس من نقد الهيئة، ولو نظر إليها كونها جهاز دولة ينتقد إذا أخطأ ويُكافأ إذا أصاب، مثله مثل أي جهاز آخر في الدولة، لكنا بعيدين عن هذا الطرح السوداوي من البعض. وكون الجهاز منبوذ أو محارَب فلا شك لأن هناك تجاوزات من البعض، ولا يقبلها العاقل؛ كون خطأ رجال الدين أو الخطأ باسم الدين أكبر من خطأ رجل البلدية أو الجمارك، ولكننا لا نغفل في الإعلام الدور الإيجابي لرجالات وأفراد الهيئة العاملين في الميدان، فليتنا نتعامل مع الجهاز مثل تعاملنا مع وزارة المالية والتجارة والمرور والصحة، ونكون بعيدين كل البعد عن الحساسية المفرطة والعواطف الجياشة، ولنكن واقعيين.
 
ولا أعتقد - من وجهة نظري - أن هناك في مجتمعنا السعودي من هو ناقم على الهيئة، ولكن قد يكون النقد على الطريقة المتبعة من البعض في معالجتهم بعض الأمور، ونقد تجاوزات البعض في طريقة تدخلاتهم غير المنطقية في بعض الحالات. ورغم تطوير الهيئة ورجالاتها، ورغم حصول البعض على دورات تدريبية في مجالات عدة، إلا أن حصول الآخرين على دورات مكثفة أمر مطلوب وواجب وحتمي، وهو من أهم متطلبات المرحلة الحالية.
 
ورغم إيماني التام بالدور الذي يقوم به الشيخ عبد اللطيف والإجراءات التي يتبعها حول تطوير هذا الجهاز إلا أن العملية تحتاج إلى وقت أطول وصبر ومثابرة ودعم من الجميع؛ للرقي بعمل هذا الجهاز الحيوي والحساس والمفيد لنا جميعاً في هذا المجتمع، الذي بدأ يئن تحت وطأة الشحن والتشاجر من بعض التيارات، وتحتاج إلى تضافر الجهود، وأولها أفراد الهيئة أنفسهم؛ فهم التنفيذيون لهذه الأجندة والخطة، وهم من يحقق الأهداف الموضوعة، والوصول بجهاز الهيئة إلى بر الأمان بعيداً كل البُعد عن الانتقادات التي لا تأتي إلا من جراء تصرفات سلبية من البعض!
 
وثمة سؤال آخر: ألم يحن الوقت لدخول المرأة (العنصر النسائي) في عمل الهيئة.. فكون السيدات أدرى ببعضهن، والمرأة على دراية كاملة بنفسية مثيلاتها وتركيبتها الفسيولوجية، فإن عمل المرأة في هذا الجهاز مطلوب؛ كونها أقرب إلى التعامل والقبول من بنات جنسها من الرجل. ويبدو لي أن وقتنا الحاضر أصبحت الحاجة فيه ملحة وضرورية لهذه الخطوة.
 
ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن عمر - رضي الله عنه - قد عيّن الشفاء بنت عبدالله بن أبي خثمة القرشي - رضي الله عنها - وهي صحابية شهيرة، عيّنها الخليفة عمر قائمة على السوق في المدينة، وناظرة في أحواله، بمقام يعادل في تسميتنا اليوم وزير التجارة، وهي لم تكن أول وزيرة ومحتسبة، بل كانت أول معلمة في الإسلام، فهل عدم تعيين المرأة في مجالات الحسبة داخل في نظر البعض للمرأة؛ كونها قاصراً أم إلغاء لدورها رغم أن عمر - رضي الله عنه - عندما عيّنها لم يكن هناك قصور في الكفاءات والرجالات، وكان عهده من أقوى العهود.
 
وهناك بعض النساء الصحابيات قد استُعملن في وظيفة الحسبة منذ عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر ابن عبدالبر أن سمراء بنت نهيك الأسدية - رضي الله عنها - أدركت الرسول الكريم، وعمرت، وكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس بسوط كان معها.
 
ثم آية تذكرنا بأهم وأقوى دليل..
قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. وقال تعالى في موقع آخر {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة........ الآية}. فلم يقتصر دور الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الرجال فقط.
 
الآن رجالات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4000 فرد، ومن أهم بنودها حين تم تأسيسها عام 1940م تطبيق الشريعة الإسلامية في الأسواق العامة وغيرها. فهل بعد كل هذه الأسباب والآيات ما زالت المرأة بعيدة كل البعد عن أداء دورها بشكل رسمي؟
وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتصر على الرجال فقط أم أنها استمرارية لإقصاء المرأة من المجتمع؟ فهل نرى في عصرنا الحاضر نساء موظفات بشكل رسمي في هذا الجهاز..؟! دمتم بود.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org