مشروع الهيمنة الإيراني.. أحلام موهومة.. وسلوك عدواني.. وهروب من أزمات الداخل

إثارة نعرات طائفية ومطامع توسعية.. وتكبيل الحاضر بأثقال الماضي
مشروع الهيمنة الإيراني.. أحلام موهومة.. وسلوك عدواني.. وهروب من أزمات الداخل
 - إيران متورطة في تأجيج ثلاث حروب تشعل الجغرافيا العربية الآن
 - نظام الملالي يسعى إلى الهيمنة والاحتلال وليس مجرد بناء نظام قوى
 - مسلك السياسة الإيرانية يكشف بجلاء عن مطامع توسعية في طور التنفيذ
 - الدولة الصفوية أكرهت الإيرانيين على التشيع وفرضته عليهم بالقوة
 - إيران لا تزال أسيرة التوجهات التي ورثتها عن الدولة الصفوية
 - النفوذ الإيراني يستهدف كل الدول التي شهدت احتلالاً فارسياً في الماضي
 - مشاريع الهيمنة فرضت على الإيرانيين من الأنظمة القابضة على السلطة
 - الإيرانيون شعب متعدد الأعراق والمذاهب ولا ينسجمون مع المشروع
 - مشروع الهيمنة غير قابل للتطبيق ويصطدم بإرادات الشعوب الأخرى
 - تبني نظام الملالي لمبدأ تصدير الثورة نابع من فشله الذريع في الداخل
محمد عبدالعليم- سبق: تشهد المنطقة العربية العديد من التوترات التي جعلت منها الساحة الأكثر سخونة واضطراباً في العالم، ولكن تورط إيران كطرف أصيل بثلاث مواجهات عسكرية على الأقل من بين خمس، تشعل الجغرافيا العربية الآن، يثير التساؤل حول حقيقة دوافع إيران من وراء تحريك وإدامة الاضطرابات في كل من العراق وسوريا واليمن، ولاسيما أنها تجاوزت نطاق حماية المصالح إلى التدخل السافر في شؤون هذه الدول، من خلال خلق أنظمة حكم موالية لها، وإرباك تركيبتها السكانية عبر إثارة النعرات المذهبية والإثنية؛ الأمر الذي بات يقطع بأن إيران تسعى إلى الهيمنة والاحتلال، وليس مجرد بناء نظام قوي داخل حدودها كما تدعي.
 
استنزاف الإيرانيين
فمسلك السياسة الإيرانية عبر الإقليم يكشف بجلاء عن مطامع توسعية، وصلت بالفعل إلى طور التنفيذ، ولم تعد مجرد نوايا يمكن التكهن بشأنها. فما المصادر التاريخية والأيديولوجية لهذا المشروع التوسعي الإيراني؟ وما الرقعة التي يتحرك عليها والمواقع التي يستهدفها؟ وما فرص نجاحه؟ وهل يمثل هذا المشروع حاجة حضارية ملحة لإيران أم أنه عبارة عن صيغة ثورية خادعة لإعادة استنزاف قوى الشعب الإيراني من جديد، بعدما بدد الشاه ثرواته وموارده، في تجربة مماثلة دفعت كل الإيرانيين إلى الإطاحة به عام 1979م؟ 
 
إيران الشافعية
يستمد المشروع الإيراني معالمه كاملة من تجربة الدولة الصفوية في التاريخ الإيراني. ورغم أن الدولة الصفوية تنسب إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي، الذي كان سنياً شافعياً، إلا أن قطيعة إيران مع إرثها السني؛ إذ كانت شافعية المذهب، وإجبار شعبها على التحول إلى التشيع، جاءا مع وصول إسماعيل بن حيدر بن جنيد الصفوي إلى السلطة؛ إذ عمد سنة 1501م بعد عام من إمساكه بزمام السلطة إلى إعلان الدولة الصفوية، وفرض المذهب الاثني عشري بالقوة على الإيرانيين، وتسمية نفسه بالشاه. 
 
مجازر الصفويين
واتبع إسماعيل الصفوي الذي يعد مؤسس الدولة الصفوية نهجاً بالغ القسوة والوحشية في إجبار الإيرانيين على ترك المذهب السني واعتناق التشيع؛ فارتكب العديد من المجازر ضد كل المدن التي رفضت تغيير معتقدها، وأباد سكانها عن بكرة أبيهم حرقاً، ولم يستثنِ من الإبادة الحيوانات والدواب، كما أحل التوجهات القومية الفارسية في مشاريع الدولة الوليدة، فركز اهتمامه على استعادة المجد الإيراني الغابر، وتعميق الشعور القومي الفارسي في هوية إيران التي شهدت ضمن التغييرات في تلك الحقبة حظر استخدام اللغة العربية في التخاطب وإعادة إحياء اللغة الفارسية. 
 
تمزيق الوحدة
ومنذ تأسيس الدولة الصفوية قبل نحو خمسمائة عام وإيران لا تزال أسيرة التوجهات التي ورثتها عن تلك الدولة في معتقدها وسياستها الخارجية مع جيرانها. ومن أعمق التطورات السلبية الخطيرة التي ترتبت على تأسيس تلك الدولة فصل عرى العالم الإسلامي وتمزيق وحدته، وقطع التواصل بين النسيج السني في الدول الواقعة شرق وشمال إيران ودول الخليج وتركيا ومصر وبقية دول العالم الإسلامي. 
 
اختلال الأمن
فقيام الدولة الصفوية كان له تداعيات أمنية بالغة الخطورة على أمن العالم الإسلامي، وفي مقدمة هذه التحديات انتقال إيران من دعم منظومة الأمن الإسلامي إلى تهديده واستهدافه والعمل على تفكيكه؛ حتى يسهل لها الهيمنة على دوله. وما زالت تلك التحديات قائمة ومستمرة حتى اليوم في المشروع الذي يعمل نظام الملالي على تنفيذه. 
 
الخريطة العدائية
إن جوهر المشروع التوسعي الإيراني اليوم لم يتغير عما كان عليه في عهد الصفويين أو في زمن الشاه محمد رضا بهلوي، وهو قائم على بسط نفوذ إيران في كل الدول التي شهدت احتلالاً فارسياً على مدار التاريخ الإيراني. وخريطة التحركات الإيرانية في تحقيق هذا المشروع التوسعي في الوقت الحالي تتطابق تماماً مع الخريطة ذاتها التي شهدت وجود هذا المشروع في حقب سابقة. فالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر والبحرين واليمن التي تعرضت للغزو الفارسي في القرن السادس الميلادي على يد كسرى أنوشيروان وغيرها تندرج ضمن المشروع التوسعي الإيراني؛ لأنها تعرضت للاحتلال الفارسي من قبل.
 
إفرازات مَرَضية
وهذه الخريطة رغم أنها أحد الإفرازات المَرَضية للاوعي الإيراني إلا أنها تندرج ضمن المحركات الأساسية للسلوك العدواني الإيراني تجاه دول المنطقة. ومن الشواهد التي تؤكد مركزية هذه الخريطة العدوانية في الفكر الإيراني ما نشرته وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء السبت الماضي عن استضافة مجلس الشورى الإيراني قائد فيلق القدس قاسم سليماني في جلسة سرية؛ ليستمع منه عن تقييمه لآخر التطورات في كل من العراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر وتركيا وباكستان وأفغانستان، وتأكيدات عضو المجلس حسن سبحاني نيا أن دوافع استضافة مجلس الشورى لسليماني تتمحور حول معرفته بظروف المنطقة والدور المؤثر الذي يلعبه في تطوراتها.
 
المطامع الاحتلالية
إن تغلغل إيران وتدخلها السافر في شؤون اليمن، التي لا ترتبط معها بأي حدود جغرافية، أو محاولتها اختراق أي دول أخرى تضم أقليات شيعية، لا يستجيب على الإطلاق لبواعث مذهبية، بل ينطلق من مطامع احتلالية، تهدف إلى محاولة ممارسة نفوذها على الدول ذاتها التي احتلتها في السابق. فإيران أسيرة لماضيها، وتعيش الحاضر مكبلة بأثقال الماضي، ولاسيما إخفاقاته التي تمثل انكسارات عميقة في شخصيتها. 
 
مشاريع فوقية
واللافت في تقصي مدى حاجة الإيرانيين إلى مشاريع الهيمنة الفارسية، وحدود تعبيرها عن طموحاتهم القومية، أنها مشاريع فوقية، فرضت على الشعب الإيراني من قِبل الأنظمة التي استحوذت على السلطة، وجرى توظيف الإيرانيين واستغلالهم في تنفيذ هذه المشاريع من أجل استمرار هذه الأنظمة في السلطة وخدمة مطامعها في الداخل والخارج. 
 
تعدد الأعراق
فالإيرانيون شعب متعدد الأعراق والأديان والمذاهب، ولا يقتصر في تركيبته السكانية على ذوي الأصول الفارسية، بل يضم مجموعات سكانية كبيرة من أصول أخرى مختلفة عربية وتركية وأذارية وبلوشية وكردية، ولا يمكن بأي حال أن تتوافق هذه المجموعات السكانية مع مشروع عنصري وفارسي الطابع. وعدم توافق مشروع الهيمنة الإيراني بتجلياته المتعددة بين الماضي والحاضر مع تنوع التركيبة السكانية دليل دامغ على أن هذا المشروع التوسعي لا يتجاوب مع طموحات الشعب الإيراني، ولا يعبر عن آماله في نيل الحرية وإقرار مبدأ المساواة بين أفراده دون تمييز وتحقيق الرفاهية في المستوى المعيشي.
 
خداع الأنظمة
ويمتد خداع الأنظمة الإيرانية التي تبنت هذه المشاريع التوسعية الموهومة والخرافية ليشمل أيضاً المقولة التأسيسية لهذه المشاريع، وهي استعادة المجد القومي الإمبراطوري للفرس. فليس صحيحاً أن هذه الأنظمة تبنت هذه المشاريع التوسعية لأجل تحقيق هذه الغاية؛ إذ تشير الظروف التاريخية لنشأتها إلى سببين آخرين، هما افتقار هذه الأنظمة لبرامج التحديث والتنمية، ورغبتها في السيطرة على القوميات العرقية المختلفة داخل إيران ومصادرة حقوقها. 
 
أفدح الكوارث
إن مشروع الهيمنة الإيراني لا يمثل حاجة حضارية للشعب الإيراني على الإطلاق؛ لأنه يعود بأفدح الكوارث على الإيرانيين أنفسهم، عبر إقحامهم في حروب تستنزف ثرواتهم، وتنعكس سلباً على مستوياتهم المعيشية. واندلاع الثورة الإيرانية ذاتها ضد حكم الشاه عام 1979م انطلق في دوافعه من رفض تداعيات هذا المشروع الذي أدى إلى استشراء الفساد وتضاعف معدلات الفقر والبطالة، وتبديد موارد الدولة في تحقيق رغبات موهومة لدى الشاه الذي كان مهووساً بجنون العظمة.
 
إهدار الموارد
والواقع ذاته يرزح تحته الإيرانيون اليوم، فيعانون من الفقر والبطالة والحصار الدولي، في الوقت الذي تهدر فيه مواردهم البترولية الهائلة على الحروب التي يمولها النظام الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
 
إرادات الشعوب
وكمحصلة عامة يمكن القول إن مشروع الهيمنة الإيراني الذي يتبناه نظام الملالي في إيران تحت مبدأ تصدير الثورة مشروع غير عصري، وغير واقعي، ولا يتناسب بأي حال مع النظام الدولي الحالي، الذي لا يجيز الاحتلال، ولا يسمح بالتدخل في شؤون الدول من قبل بعضها، فضلاً عن أنه مشروع غير قابل للتطبيق بالنظر إلى الأهداف التي يتوخاها في فرض سيطرته على شعوب ودول تفوق إمكاناتها وإراداتها وقوتها إمكانات إيران وقوتها. وتحالف "عاصفة الحزم" نموذج دال في هذا الإطار؛ إذ وقفت إيران عاجزة عن تقديم أي دعم لعملائها الحوثيين الذين يتلقون ضربات التحالف صباح مساء منذ أكثر من شهر.
 
الأزمات الداخلية
ومن المؤكد أن تبني نظام الملالي مبدأ تصدير الثورة يقوم على الهروب من مواجهة أزماته الداخلية، وتبرير فشله الذريع في تحقيق مستويات التنمية التي تتجاوب مع طموحات الشعب الإيراني، والتغطية على جرائمه في حق أبناء المذاهب والأعراق الأخرى. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org