رَفْعُ اللّوْم عّنْ صّحِيفّةِ اليَوْم

رَفْعُ اللّوْم عّنْ صّحِيفّةِ اليَوْم
نشرت صحيفة "اليوم" السعودية مقاليْن لفضيلة الدكتور ناصر القفاري، الأول بتاريخ 22 أبريل، والآخر بتاريخ 29 أبريل، تضمّن المقال الأول رداً على حسن نصر الله؛ زعيم حزب الله، عندما هاجم المملكة العربية السعودية واتهمها بتبني التطرف والتكفير، وتضمن الآخر نقداً للنظام الإيراني ومنهجه الباطني في التغلغل في مجتمعات الأمة لتحقيق أطماعه الصفوية. المقالان أثارا ردة فعل عجيبة لدي كثير من الإخوة الشيعة في المنطقة الشرقية؛ كان من ضمنها كلام ظالم ومسفٍ في حق صحيفة "اليوم" نشره الدكتور توفيق السيف، ومع الأسف الشديد، طالب من خلاله برمي صناديق صحيفة "اليوم" في حاويات النفايات.
 
مقالا الدكتور ناصر القفاري - حفظه الله - تضمّنا معلومات خطيرة لم يأت بها من عند نفسه، وإنما وثّقها توثيقاً علمياً دقيقاً من أهم مصادر المذهب الاثني عشري، وعلى لسان أكابر علماء المذهب، فإن كان ما أورده الدكتور - حفظه الله - حقائق، وهي - في نظري - كذلك، وبخاصة ما يتعلق بموقف المذهب الاثني عشري المحرّف من المخالفين، فنحن أمام سؤالٍ كبيرٍ لا بُدَّ من طرحه، وهو: هل إخوتنا الشيعة السعوديون يؤمنون بهذه المعتقدات أم لا؟ فإن كانوا لا يؤمنون بها، وهذا ما أراه ونؤمله جميعاً، فلماذا يتضايقون من نقدها وفضحها؟ ولماذا لم نسمع في أيِّ يومٍ من الأيام عالماً أو رمزاً فكرياً شيعياً واحداً من إخوتنا في المملكة يتبرّأ من هذه المعتقدات الشنيعة ويستنكرها؛ بل يهاجمها لما فيها من غلوّ فاحشٍ وتكفيرٍ لا حدود له وما تنطوي عليه من تهديد لوحدة الأمة والمجتمع؟ وقبل ذلك وبعده لما فيها من تشويهٍ وتدنيسٍ ظالميْن لمدرسة آل البيت - عليهم الصلاة والسلام؟
 
لقد نشرت قبل أكثر من شهرين مقالاً عاتبت فيه أخي توفيق السيف، الذي أعدّه من أكثر مثقفي الشيعة استنارةً واعتدالاً، على نقدٍ مُسفٍّ آخر له وجّهه لفضيلة الشيخ عبدالعزيز الفوزان، وقد ضمّنت المقال نصوصاً كثيرة من أهم مراجع المدرسة الاثني عشرية تُبيّن أن هذه المدرسة التي شوّهها أولاً أعداء الأمة الذين اندسوا في صفوفها ونسبوا إليها ما ليس من معتقداتها ثم أجهز عليها الصفويون في مرحلةٍ متأخرة، هي أعظم مدرسة للتكفير والغلو في العالم، وقد كنت أؤمل أن يرد عليَّ أخي الدكتور توفيق - حفظه الله - ويقول لي: إن شيعة المملكة لا يؤمنون بهذه المدرسة المنحرفة ويتبرّأون من كل ما فيها من غلو وتكفير؛ بل همجية، وإنهم ينزهون مدرسة آل البيت - عليهم السلام - من هذا الفكر المنحرف وهذا الحقد الدفين الموجّه ليس ضدّ أهل السنة فقط وإنما ضدّ المدارس الشيعية الأخرى؛ بل ضدّ البشرية كلها، ولكن لقد خاب أملي في أخي - مع الأسف الشديد -، مثلما خاب أملي فيه مرةً أخرى عندما اطلعت على ما علّق به على مقالَي الدكتور ناصر القفاري، فها هو وقد أُتيحت له الفرصة بشكلٍ أكبر وأفضل ليبيّن موقفه وموقف الشيعة في المملكة من هذه الانحرافات، ينبري للتحريض على صحيفة "اليوم" دون أن يعلّق ولو بكلمةٍ واحدةٍ على المعتقدات الفاسدة، بل أشنع من ذلك يعد نقدها وفضحها "أمراً شديد القبح موغلاً في الإساءة"!!، الأمر الذي يعطي الانطباع سواء أرضي بذلك أم لم يرض بأنه ممَّن يعتقدون بها مع الأسف الشديد.
 
لقد قلت في ختام مقالي الذي عاتبت فيه أخي الدكتور توفيق السيف، ونشرته في صحيفة "سبق" الموقرة ما نصّه: "إن أملي أن يشمّر الدكتور توفيق ونظراؤه من مثقفي الشيعة عن سواعدهم، وأن يوحدوا جهودهم لتطهير المذهب الاثني عشري من الدسائس الكثيرة التي دُست عليه والتشوّهات الضخمة التي تعرّض لها عبر التاريخ، وفي مقدمتها نزعة تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ بل عدّهم "نجسين"، والعياذ بالله، وأن يعيدوا المذهب إلى ينابيعه الصافية التي كانت عليها مدرسة آل البيت عليهم السلام، التي هي نفسها ما كانت عليه مدرسة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة".
 
هذا ما ما زلت أؤمله وأرجوه من علماء الشيعة في المملكة ومفكريهم، ومنهم أخي الدكتور توفيق السيف، فهذا هو الذي سيضع - بإذن الله - الأساس المتين للوحدة الوطنية الصادقة، وهو الذي سيحمينا جميعاً من اختراقات الأعداء، ويحصن أجيالنا من الفرقة والتناحر.
 
لقد كنت وما زلت أقول في كل مناسبة: إن المشكلة ليست في اعتقاد الاثني عشرية بأولوية الإمام علي - رضي الله عنه - بالإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في اعتقاد أن ذريته أولى من غيرهم بالإمامة من بعده، ولا حتى في نقد مَن ناوؤوه من الصحابة بعلم وأدب، فكل هذه الأمور لا تسبب إشكالاً كبيراً ولا عميقاً مع بقية المسلمين، ولكن المشكلة كل المشكلة إنما تكمن في الأمور الشنيعة التالية:
 
- اعتقاد أن كل مَن لم يؤمن بأيّ أحدٍ من الأئمة الاثني عشر كافر مخلد في النار!
 
- وأنه بسبب كفره نجس، بل إذا كان سنياً فهو في درجة منحدرة من درجات النجاسة.
 
- وتبعاً لذلك، فإن السنّي مستباح الدم والعرض والمال!
 
- بل حتى إذا مات فلا يُصلى عليه وإذا اضطر الشيعي للصلاة عليه "تقيّة" فإنه يدعو عليه بشرّ الدّعاء والعياذ بالله!
 
فأي وحدةٍ وطنيّة مرجوة في ظل مثل هذه المعتقدات؟ وأي مستقبل للسلم الاجتماعي وهذا ما يتعلمه الاثنا عشرية من موروثهم العقائدي ومن أئمتهم  في المذهب؟
 
إن الجهر بإنكار هذه الشناعات واجبٌ شرعي وأخلاقي ووطني، وهو واجبٌ على إخوتنا الشيعة، قبل غيرهم، دع عنك أن يستاؤوا منه، ويجب ألا يكون إنكارهم إرضاءً للسنة أو حتى الزيدية والإسماعيلية والإباضية، وإنما إكراماً وإجلالاً لأئمة آل البيت - عليهم السلام - قبل غيرهم، وتطهيراً وتنزيهاً لمدرستهم المباركة من هذا الفحش وهذا الفجور الذي لا يُقبل حتى من أراذل الناس فكيف بمَن طهّرهم ربهم تطهيرا. كما أن الهجمة الظالمة على صحيفة "اليوم" وعلى رئيس تحريرها الإعلامي القدير المثقف المستنير المسلم الوسطي الدكتور عبدالوهاب الفائز، غير مقبولة على الإطلاق، ولا مبرر لها من أي أحد، بل هي مستهجنة إلى حد كبير ومرفوضة بشكل قاطع، وبخاصة عندما نعلم أن المقاليْن لم يتعرّضا لشيعة المملكة بأي شكل من الأشكال؛ بل ولا للشيعة بوجه عام، وإنما كانا موجهيْن ضدّ النظام الإيراني، وضدّ زعيم حزب الله، والمعتقدات الفاسدة التي يتبنيانها ويسعيان لنشرها في أوساط الأمة، وقد جاءا في سياق الدفاع عن المملكة وشعبها سنة وشيعة ومصالحهما وحقوقهما المشروعة، بل إن المقال الأول نصّ صراحةً على أن الشيعة المعتدلين مستهدفون من النظام الإيراني مثل إخوانهم السنة؛ حيث جاء فيه ما نصه: "ولم يكن هدفهم (أي غلاة النظام الصفوي) قتل العرب فقط، بل قتل الشيعة المعتدلين أيضاً".
 
إن من المُحزن كثيراً أن ينزلق مثقفٌ كبيرٌ بحجم الدكتور توفيق، إلى مستنقعات الطائفية، وأن يتخلى عن وظيفته الحقيقية في التنوير والدفاع عن الحق، وإن من المحزن بشكل أكبر أن يقود تحريضاً وهو المفكر وصاحب القلم يؤدي إلى رمي صناديق صحيفة وطنية في حاويات النفايات لمجرد أنها نشرت مقاليْن لا يوافقان هواه. لقد كان الواجب على أخي الدكتور توفيق - وفقه الله - أن يواجه الكلمة بالكلمة، وأن يكتب رداً على المقاليْن ويبين لنا ما فيهما من تجنٍ أو خطأ؛ إن وجد شيئاً من ذلك، وأن يناقش صاحب المقاليْن بمنهجٍ علمي وبأدبٍ في الحوار، لا أن يتحوّل من مفكرٍ إلى محرضٍ، ومن مثقفٍ تنويري إلى زعيم غوغاء.
 
إن الشيعة في المملكة إخوتنا في الدين وشركاؤنا في الوطن، ويجب أن نتقاسم جميعاً الحقوق والمسؤوليات بمساواةٍ كاملة ودون أي تفريقٍ، وإن من أوجب واجباتنا سنةً وشيعةً أن نواجه الغلو والتطرف والتكفير بحزمٍ كبيرٍ وبشكلٍ كاملٍ في أيّ مذهبٍ كان ومن أيّ طائفةٍ أتى، وألا تأخذنا في ذلك لومة لائم  كما أن من أوجب واجباتنا في هذه المرحلة المهمة من تاريخ وطننا أن نتوحّد لمواجهة الأعداء المحيطين بنا، وأن ندرك أن توحدنا هو السبيل الأمثل لمواجهة الأعداء ومخططاتهم.
 
حفظ الله إخوتنا الشيعة ووفقنا وإياهم إلى الحق والخير، وأنار بصائرنا جميعاً بهديه، وحفظ وطننا من كل سوء وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. إنه سميعٌ مجيب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org