حتى لا تضيع غلا!

حتى لا تضيع غلا!
كل شيء كان طبيعياً في ذلك السوق، وقد التهى الجميع وانشغلوا كل بشأنه، بين بيع وشراء وتمضية للوقت، وتكاثر للناس حد التدافع؛ حتى اخترق صوتها ضجيج المكان واعتلاه! شق فضاءات السوق كالهدير؛ مرتجفاً موجوعاً، وقد نتأ من أعماقها، مبحوحاً غريباً لا يصدر إلا من مكلوم! تصرخ بكلمة واحدة باسم لا غيره (غلا)، تقولها بمد طويل طويل كالعويل.
 
اجتذب السامعين ذلك الهلع فتقاطروا نحو مصدره؛ ليتبين أخيراً أن أماً أضاعت ابنتها، والابنة هي "غلا"، وفيما يبدو أنه قد مضى وقت ليس بالقصير وهي تبحث عنها.
 
تقاذفتها الأسئلة عن أوصاف بنيتها، وهي تحاول جاهدة أن تحدد ملامح استثنائية لها، تصفق بيديها وتسأل أذهب لمن؟ من ذا يساعدني؟ التقطتها أيادٍ حنونة من الرائعات يهدئن روعها، وانتشر البعض يبحث ويسأل وكلهم يبحثون عن فتاة صغيرة قد تكون تبكي، والأم فيما يشبه الهذيان تعلن خوفها أن تكون قد خُطفت، وتطمئنها أخرى أنه لم يحدث أن سمعنا عن خطف في هذا السوق.
 
كان حارس الأمن يمشي باهتمام، ويعلن عجزه أمام احتجاج إحداهن ببذل المزيد من الجهد.. لم نر المزيد من الحراس وفيما يبدو لا تواصل عاجل بينهم في هذا السوق المفتوح.. لا تواصل تِقَنِيّ فيما يبدو، ولم تلحظ أي تدابير عاجلة من أمن السوق.
 
الأم الهلعة لا تزال تصرخ وتجتذب المزيد من المتطفلين وبعض الراغبين في تقديم أية مساعدة، و"غلا" لم تظهر بعد.. ولا وقت للوم الأم بإهمال صغيرتها، أو حتى مجرد إحضارها لهذا السوق المكتظ؛ حتى بدت الجموع تعود والارتياح بادياً على قسماتهم، وقد هدأ صوت الأم واختفى تماماً.. جاءت امرأة تسحب صغيرة باكية وألقتها في حضن الأم المنهارة التي التصقت بها، وعجزت تماماً عن الحديث إلا من شهقات ونشيج مكبوت، وأمام دعوات للمرأة البطلة وقبلات على رأسها وصوت يستحث الأم المتروعة (بشرب العصفر)، والصغيرة الباكية بوجهها المصفر وقطرات الماء تُسكب عليه، ونصائح متتالية للأم والابنة في تفادي الضياع.. انتهى الموقف ولكن!!
 
كم مرة يتكرر هذا المشهد المخيف ويحرق أعصاب حتى المتسوقين؟
 
منظر الأم وهي تصفق بيديها وتضغط على رأسها، والمصيبة تكبل تفكيرها، وهي تتساءل أذهب لمن؟ يجعلنا ندرك تماماً ألا خطة معدة مسبقاً للتصرف من قِبَل إدارة السوق والأسواق بشكل عام.. ولا يوجد مكان خاص بالأطفال التائهين حتى يمكن لمن يعثر على طفل أن يتجه إليه دون أن يضيع وقته في الفزعات فحسب؛ كما يمكن لمن يفقد طفله أن يتجه إليه مباشرة.
 
كان ينبغي أن يتواصل حراس الأمن في دقائق ليكونوا على مداخل السوق ومخارجه حتى تحبط أية محاولة للخطف إن وجدت؛ وإن كان مفتوحاً كهذا السوق، بالقليل من السرعة وتوفيق الله تعالى يمكن تفادي الكثير.
 
وبالقليل من التخطيط المسبق والوعي يمكن أن نتفادى الكثير أيضاً.. بقى أن أقول إن "غلا" فتاة في الثانية عشرة من العمر تقريباً.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org