أخطاؤنا في معالجة قضايا التحرش

أخطاؤنا في معالجة قضايا التحرش
خلال الأيام الماضية، سيطرت على الساحة الإعلامية فيديوهات التحرش الجنسي؛ فالحادثة الأولى كانت على كورنيش جدة؛ بينما كانت الحادثة الثانية في الطائف.. والقضيتان أمام الدوائر القضائية المختصة بهذا النوع من الجرائم, ولم يتم الفصل فيهما حتى كتابة هذه السطور.  
 
ولا أود حقيقة التدخل كثيراً في تفاصيل تلك الوقائع؛ فهي قد باتت معلومة للكافة؛ لا سيما بعد انتشار الفيديوهات الخاصة بها وبغيرها من الجرائم المشابهة.. ولكني أحببت أن أسجل بعض الأخطاء التي نقع فيها ونحن بصدد الحديث عن التحرش، أو معالجة  قضايا هذا النوع من التحرش.  
 
الخطأ الأول: أننا نضع الشباب الذي وقع منه التحرش في دائرة الاتهام وحده, ونضع المتحرش بها في دائرة الضحية على الدوام؛ على الرغم من أن هذه الجريمة غالباً لن تقع إلا من شاب وجد ضالته في فتاة فقدت كثيراً من حيائها في الأسواق والطرقات.  
 
ونحن هنا لا نُبَرّر التحرش؛ فهو جريمة في كل الأحوال, ومُدَان بكل الاعتبارات؛ ولكن العدل المجتمعي مع الأسف مفقود في هذا الإطار, حينما نتهم الشباب على الدوام، ونبرئ الطرف الآخر مهما اقترف ومهما بدا منه من خطايا وأخطاء؛ على الرغم من أنهما غالباً ما يكونان شريكين في هذه الجريمة المجتمعية.  
 
الخطأ الثاني: يتعلق بقصور ربما في المنظومة القانونية؛ فنحن نرى أن العقاب القانوني غالباً ما يقع على الشباب من تشهير أو جلد أو  غرامات مالية أو عقوبات بديلة؛ بينما لا نسمع عن عقوبات تُنزل بحق الفتيات اللاتي شاركن بسلوكهن المنحرف في الإيقاع بالشباب في هذه الجريمة, وكُنّ شركاء فيها, وهو ما يدعوهن إلى استمراء السلوك المنحرف الذي جذب إليهن الأضواء وأفلتن بعدها من العقوبة.  
 
الخطأ الثالث: أن القضايا المجتمعية التي تحظى باهتمام واسع مثل هذه القضايا تحتاج إلى حسم قانوني سريع؛ بحيث تسبب ردعاً لأصحاب النفوس الضعيفة؛ أما استمرار القضية فترة طويلة قيد النقاش المجتمعي, ثم تطوى صفحاتها قبل إنزال الأحكام؛ فهذا من شأنه إضعاف الأثر النفسي والرادع القانوني في قلوب ونفوس الضعفاء من أصحاب الهوى والرغبات المحرمة.  
 
والخطأ الرابع: هو في تصور أن هذه القضايا التي لم تكن بمثل هذا الانتشار من قبلُ، مُنْبَتّة عن غيرها من القضايا والإشكاليات التي يعاني منها المجتمع، وفي مقدمتها انتشار العنوسة, وتأخر سن الزواج بين الشباب, والبطالة, وغزو الفضائيات، وانحسار دور الهيئة الميداني بفعل ممنهج بدأ منذ فترة.
 
إن القضايا المجتمعية يصعب الفصل بينها؛ فقضايا التحرش الجنسي هي إفراز طبيعي لكثير من المشكلات التي لم تجد سبيلها للعلاج حتى الآن, وسيكون من العبث البحث عن حلول ناجعة لها في إطار منظومة قانونية وفقط, وبالعقاب وفقط؛ بل العلاج هو بالنظر المتكامل لكافة القضايا ذات العلاقة بهذه القضية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org