من أين لك هذا؟

من أين لك هذا؟
اعتدنا أن نستخدم عبارة أو قاعدة "من أين لك هذا؟" في المسائل المتعلقة بالفساد المالي والإداري؛ كونها تحمل صبغة المحاسبة أو الرقابة، وباتت تمثل منطلقاً أساسياً في مجال مكافحة الفساد. وأرى أن الوقت قد حان لتوسيع دائرة تلك القاعدة من أجل أن تشمل الكثير من المسائل التي تتجاوز الفساد المالي والإداري، ومن ذلك السطو على الألقاب العلمية والعملية والتلقب بها، وأبرزها الألقاب التي تجذب عواطف الناس، كتلك المتعلقة بحقوق الإنسان كالناشط الحقوقي، والمدافع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وغيرها.
 
يطل علينا بين الفينة والأخرى رجلٌ أو سيدة من شاشات التلفاز أو سماعات الراديو، ويقدمه مستضيفهُ (المذيع) أو يقدِّم نفسه على أنه ناشط حقوقي، وعندما يستمع إليه من لديه أبجديات العمل الحقوقي أو الدفاع عن حقوق الإنسان يخلص إلى أن المُلقَّب أبعد ما يكون عن اللقب، وكما قيل: اسمٌ بلا مسمى! بل إن الأمر وصل إلى درجة التندر والنكات؛ فبسبب كثرة المتشبثين بهذا اللقب بات الكثيرون يرددون أن مهنة الناشط حقوقي هي مهنة من لا مهنة له.
 
إن الدفاع عن حقوق الإنسان سلوكٌ إنساني نبيل، أقره وحث عليه ديننا الحنيف بأدلةٍ كثيرة، منها قول الله – تعالى -: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، قبل أن تقره المعايير الدولية.
 
ولكي يؤتي أُكله، وتتحقق الفائدة المنشودة منه، لا بد أن يكون موضوعياً، وغير انتقائي، وأضيف ثالثةً – وأعتقد أن الكثيرين يتفقون معي بشأنها – بأن يكون مبنياً على دراية، تتمثل في التأهيل العلمي والمعرفي.
 
إن الذي يغلف أهدافاً سياسية وفكرية بمسألة الدفاع عن حقوق الإنسان لا يُعتبر مدافعاً عنها بل يجب الدفاع عن حقوق الإنسان منه، وكذلك الذي يدافع عن حقوق أتباع تيار فكري معيَّن، ويسكت أو يساعد في انتهاك حقوق أتباع تيارٍ يراه مناوئاً لتياره الفكري ليس ناشطاً حقوقياً وفق المعايير الدولية التي يتحجج بها هنا وهناك، والذي يدافع عن حقوق الإنسان على غير علم، أو وفق تصوره الشخصي، قد يدافع عن حقوق إنسان بانتهاك حق إنسان آخر، أو ربما بانتهاك حق المجتمع بأسره! ويجدر في هذا السياق التذكير بأن أصحاب الولايات الخاصة في الأمم المتحدة، أو ما يعرفون بالمقررين الخاصين والخبراء المستقلين.. يُشترط عند اختيارهم التأهيل العلمي والخبرة.
 
كما أن المدافعين عن حقوق الإنسان منوطٌ بهم التثقيف بحقوق الإنسان، فكيف يُثقف بحقوق الإنسان من لا يملك ثقافتها؟!
 إن ناشط حقوق الإنسان أو المدافع عنها الحقيقي هو من يأخذ على عاتقه الدفاع عن حقوق الإنسان على هدى، ودونما أي اعتبار آخر، أو تمييزٍ ظالم.
 
* نقطة نظام:
"ومع ذلك، فإن الشيء الأهم لوصف شخص ما بأنه مدافع عن حقوق الإنسان ليس لقبه، أو اسم المنظمة التي يعمل لديها، إنما هو طبيعة العمل الذي يضطلع به في مجال حقوق الإنسان.
 
ولكي يصبح الشخص من المدافعين عن حقوق الإنسان ليس من الضروري أن يُعرف بأنه (ناشط في مجال حقوق الإنسان)، أو أن يعمل مع منظمة يشمل اسمها عبارة (حقوق الإنسان)؛ فالكثير من موظفي الأمم المتحدة يعملون مدافعين عن حقوق الإنسان بالرغم من أن عملهم اليومي يوصف بأوصاف مختلفة، كالقول بأنهم يعملون في مجال التنمية مثلاً..".
 
صحيفة الوقائع رقم 29 – المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org