الفكر الإرهابي وتجنيد الأطفال في معسكرات الظلام

الفكر الإرهابي وتجنيد الأطفال في معسكرات الظلام
خطر الإرهاب لا يقف عند حد؛ فهو يستهدف البلدان، ويهدد أمنها واستقرارها. ولفظ الإرهاب - كما يرى كثير من الباحثين - مشحون بقدر كبير من الإدانة للفعل، وإدانة كل ما يصدر عنه وما يفضي إليه من نتائج وخيمة على مستوى الأفراد والجماعات. وتستغل قوى الشر هذه العصابات الموبوءة بلوثة الفكر لتنفيذ مخططاتها الهادفة لزعزعة المجتمعات وإشاعة الفوضى فيها، وكانت السعودية من أكثر الدول التي اكتوت بنيرانه نتيجة فكر متطرف يعمل على توظيف سطحية الشباب وسذاجة تفكيرهم لإغرائهم عبر شعارات تحاول إلصاق أعمالهم الإجرامية بالدين الذي هو بعيد كل البُعد عن زعمهم وزيف شعاراتهم، ويزيّنون لهؤلاء السذّج ما ينتظرهم من نعيم أخروي. وفي حوادث الإرهاب الأخيرة في السعودية كشفت الجهات الأمنية اتجاه تنظيم داعش الإرهابي إلى محاولة تجنيد الأطفال لاعتناق الفكر التكفيري الأسود، وجرّهم إلى معسكرات القتل والتدمير لتغذيتهم بأفكار التنظيم الناقم على كل ما هو إنساني. فأي دين وأي عقيدة تبيح سفك الدماء، وتستهدف المصلين في بيت من بيوت الله تعالى؟ وأي تفكير يبيح دماء الأبرياء وحرق جثث الضحايا، وتصوير ونشر أشلائهم المتطايرة؛ ليُظهر الإرهابيون أنهم استطاعوا تحقيق شيء من أهدافهم؟ إنها عصابات أبعد ما تكون عن دين الرحمة والتسامح والتكافل، لكنها بفضل الله ثم توجيهات القيادة الرشيدة ويقظة وتضحية رجال الأمن مدحورة، ومخططاتها إلى الفشل، ووجودها إلى الزوال؛ فقد استطاعت الجهات الأمنية كشف مخططات الإجرام والخلايا المتبنية هذا الفكر المسموم ومَن يقف خلفه.
وحمل بيان وزارة الداخلية بعد حادثة القديح كثيراً من الحقائق التي أرادها التنظيم الأسود لتقسيم السعودية إلى خمسة قطاعات، تقوم على أبعاد عدة، بدأها الإرهابيون باستهداف رجال الأمن ومحاولة جر المجتمع إلى حرب طائفية من خلال تنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية في محافظات المنطقة الشرقية، واصطياد الأطفال عبر وسائل الاتصال وبرامج التواصل الاجتماعي. وكشفت الجهات الأمنية مخططاً يقوم على استهداف المصلين ورجال الأمن؛ إذ استهدفت خلية (البعادي) أحد رجال أمن المنشآت، ثم كانت حادثتا (القديح) ومسجد (العنود)، وفي كلتا الحالين يسعى التنظيم ومَن يقف خلفه إلى خلخلة اللحمة الوطنية التي عُرفت بها بلاد الحرمين الشريفين منذ توحيدها على يدي المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وستظل كذلك ما تعاقب الليل والنهار بإذن الله. فقد أثبت أبناء السعودية أن اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي عصي على الإرهاب، وتبخرت أمام الوعي المجتمعي دسائس ومؤامرات خارجية، تسعى صفوية طهران من خلالها إلى توسيع نفوذها المدعوم بفتاوى الملالي، وتتبناها أذرع طائفية مشحونة بالحقد على بلاد الحرمين الشريفين.
لقد واجهت السعودية الخطر الإرهابي باستراتيجية تقوم على المواجهة الأمنية، وكشف خلايا الإرهاب النشطة والنائمة، وبرنامج المناصحة الذي يعمل على إعادة تأهيل المغرر بهم، وبيان خطأ النهج المنحرف، ثم الرعاية اللاحقة عبر برامج اجتماعية، يرعاها مركز الأمير محمد بن نايف للمغرر بهم وأسرهم وتلبية احتياجاتهم وتوظيفهم.
وقد جاءت هذه الاستراتيجية بناء على رؤية متكاملة، أفرزتها مواجهة قوات الأمن لعصابات الإرهاب، بدءاً من أحداث 1994، وما تلاها في 2003، وما أحبطته من عمليات قبل التنفيذ عبر متابعة دقيقة، جنّبت الوطن - بحمد الله - الكثير مما كانت تريده تلك العصابات ومَن يقف خلفها. واستطاعت السعودية دحر القاعدة وملاحقة المنتمين لها وتقديمهم للعدالة، وسجّل المواطنون مواقف وطنية بتعاونهم مع الجهات الأمنية للحيلولة دون تمكُّن الإرهابيين من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية. 
وفي الحوادث الأخيرة التي استهدفت رجال الأمن، وحاولت إثارة الفتنة الطائفية عبر حوادث (الدالوه) و(القديح) ومسجد (العنود) في الدمام، تبنى تنظيم داعش الإرهابي تلك العمليات الإجرامية، وهي إشارة يائسة ودليل ضعف؛ إذ فشلت كل مخططاته في الوصول لمبتغاها؛ فهو يعلم رفض المجتمع بكل أطيافه ومكوّناته لهذا الفكر الدموي المتطرف، ونبذ عناصره، واستنكار مخططاته، ومثلما دُحرت القاعدة وفشلت مخططاتها سيكون المصير الذي ينتظره التنظيم المؤدلج ومَن يقف خلفه ويغذّيه. وأكدت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الحاسمة والواضحة محاربة كل أشكال التطرف والإرهاب، وأن جهود السعودية لن تتوقف يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم.
وعلى المجتمع تقع مسؤولية كبرى للقيام بواجبه الديني والوطني؛ فالمهمة وطنية بامتياز، ولا تعفي أحداً؛ وبالتالي فإنه لا بد من قيام مؤسسات المجتمع الرسمية والمدنية، وعلى اختلاف مهامها ومسؤولياتها، بإعداد برامج اجتماعية وثقافية، تستقطب الشباب، وتعمل على تنويرهم وفق منهج الوسطية الإسلامية، خاصة في ظل الفراغ الذي يجده كثير من الشباب. وعلى الأسر - وقد اتضح لها استهداف التنظيم للأطفال - واجب المتابعة المستمرة والدقيقة لأبنائها، والوقوف على توجهاتهم، وقراءة أفكارهم، خاصة في ظل انتشار وسهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ساحة مفتوحة، تحاول التنظيمات الإرهابية اختطاف الأطفال من خلالها. وعلى المؤسسات الإعلامية مسؤولية تنوير الشباب بأهداف ومخططات هذه التنظيمات، من خلال خطة متكاملة، تعمل بروح العصر، وتستغل تقنياته في فضح دسائس قوى الشر ومعسكرات الفتنة وفكر التطرف.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org