الإفراط في تعاطي "المضادات الحيوية".. سموم تُضَخّ في أجساد أطفالنا

تُسبب الأمراض المزمنة والأورام.. و​​الأطباء يطالبون بعدم صرفها إلا بوصفة متخصص
الإفراط في تعاطي "المضادات الحيوية".. سموم تُضَخّ في أجساد أطفالنا
-​ هناك ما يزيد على ٢٣٥ مليون وصفة لمضادات حيوية بينها ٥٠٪ غير ضرورية.
- "قحل": المضادات الحيوية لا تُنقص المناعة لكن لا تُعطى إلا بعد فحص وتأكد.
- "الحربي": الاستخدام المفرط للمضادات يؤدي إلى إضعاف خط الدفاع ويسهّل على لأنواع الأخرى من الميكروبات انتهاك الجسم.
- "العزام": البكتيريا تطوّر نظام مناعتها وتُخرج أجيالاً منها مقاومة لبعض المضادات الحيوية.
- "السبيعي": الاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية مفقود في السعودية ولا بد من ترشيد استعمال المضادات.
 - الهيئة العامة للغذاء والدواء: تفعيل نظام مراقبة الصيدليات الأهلية لمعرفة المضادات الحيوية التي يساء استخدامها في الصيدليات.
 
خلود غنام- سبق- الرياض: كشفت عدة دراسات علمية، مدى خطورة المضادات الحيوية على صحة الأطفال؛ كعلاج رئيس لبعض الأمراض عند الأطفال؛ مثل حالات الإنفلونزا والربو وغيرها، وهي سموم قاتلة تدخل أجساد أطفالنا وفلذات أكبادنا.
 
حيث أظهرت دراسة أمريكية نُشرت نتائجها في دورية طب الأطفال، أن أطباء الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يكتبون سنوياً أكثر من عشرة ملايين وصفة طبية بمضادات حيوية لا داعي لها إطلاقاً، وتقوم الدراسة على عيّنة قوامها 65 ألف زيارة في العيادات الخارجية بمستشفيات الأطفال تحت سن 18 سنة، وتوصلت الدراسة إلى أن الأطباء وصفوا مضادات حيوية لحالة من كل خمس حالات، وأن غالبية الحالات التي وُصفت لها المضادات الحيوية كانت لأطفال يعانون من مشاكل في التنفس؛ مثل: التهاب الجيوب الأنفية، والالتهاب الرئوي.
 
تواصلت "سبق" مع عدد من الأطباء للوقوف على خلفية هذه الدراسات التي تهم المجتمع.
 
لا تُعطى إلا بإشراف طبي
قال الدكتور قاسم قحل، أستاذ طب الأطفال المساعد بكلية الطب بجامعة جازان والمتخصص حالياً في طب مناعة وحساسية الأطفال بجامعة مجيل بكندا، لـ"سبق": إن المضادات الحيوية لا تُنقص جهاز المناعة ودوره، والأطفال الذين يعانون من نقص المناعة يعطون المضادات الحيوية بشكل منتظم؛ حتى تقلل نسبة إصابتهم ببعض الأمراض التي هم عرضة لها بسبب نقص المناعة عندهم".
 
وأضاف: "لكن في الأشخاص السليمين؛ فإن الإفراط في المضادات له أضرار؛ مثل تغطية بعض الأمراض والأورام، ومنها قتل البكتيريا النافعة في الجسم؛ تاركة فرصة للبكتيريا الضارة في الجسم، كما أنها تسبب أضراراً على المجتمع؛ وذلك بتعرف البكتيريا على أصناف المضادات الحيوية وتكوين مقاومة لها؛ حيث لا تعود تنفع بعد فترة، وتتحول بعض الأمراض البكتيرية إلى أمراض معقّدة صعبة العلاج".
 
وأكد أن المضادات الحيوية لا تُنقص المناعة؛ لكن لا تُعطى إلا بعد فحص وتأكد، وفي السعودية يجب أن تكون هناك إجراءات كالتي تُتخذ في الدول المتقدمة: أولاً يُفتح ملف لكل مريض بصيدلية مجاورة يكتب فيها تاريخه المرضي إن وجد، وتاريخ حساسيته الدوائية، وهنا يتأكد بأنه لا يصرف مضاداً حيوياً إلا بوصفة الطبيب الذي يتحمل مسؤلية التشخيص، كما نوصي بدراسة علمية في المملكة؛ للحد من ظاهرة الصيدليات التي تتاجر بالدواء كالغذاء".
 
تُخفي أعراض الأمراض الخطيرة
فيما قال الدكتور أحمد الحربي لـ"سبق": المضادات الحيوية من الأدوية، فعالة في مكافحة العدوى التي تُسببها البكتيريا والتي ينتج عنها العديد من الأمراض؛ ولكن لسوء الحظ أصبح استخدامها شائعاً جداً لمعالجة أمراض لا تحتاج إليها؛ وخصوصاً عند الأطفال، ويرشح مركز مكافحة العدوى في الولايات المتحدة أنّ هناك ما يزيد على ٢٣٥ مليون وصفة لمضادات حيوية؛ بينها ٢٠ إلى ٥٠٪ غير ضرورية".
 
وتابع: "من الأمثلة الخاطئة لمعالجة الالتهابات أو العدوى باستخدام المضادات الحيوية، استخدامها لمعالجة الأمراض التي تسببها فيروسات مثل نزلات البرد والكحة، ورشح الأنف، والتهابات الجهاز التنفسي العليا، والتي غالباً ما تسببها الفيروسات، والتي لا تؤثر فيها المضادات الحيوية؛ بل تنعكس سلباً على صحة الطفل، وقد تسبب له العديد من المضاعفات والأمراض، وقد تُخفي أعراض الكثير من الأمراض الخطيرة".
 
وأضاف "الحربي": "من ضمن الأمراض التي يُخطئ الناس في استخدام المضادات الحيوية لها: التهابات الأذن الوسطى، وقد أظهرت دراسات حديثة أن هناك أكثر من نسبة عالية منها، لها مسببات أخرى غير البكتيريا؛ ولكن يسارع الناس إلى طلب المضادات من الطبيب بحكم أنها تخفف من وطأة الأعراض؛ مشيراً إلى أن المضادات الحيوية لا تُفَرّق بين البكتيريا الضارة والأخرى النافعة للجسم، والتي تحمي الجسم من العديد من البكتيريا والطفيليات والفطريات الضارة، والتي لا تجد لها مكاناً في ظل وجود التوازن المحمود بين البكتيريا النافعة وغيرها؛ فالاستخدام المفرط للمضادات الحيوية قد يؤدي إلى إضعاف خط الدفاع هذا، وبالتالي يسهّل على الأنواع الأخرى من الميكروبات انتهاك الجسم وإضعاف مناعته وتعريضه لأمراض خطرة نتيجة نقص المناعة".
 
له تأثيرات مضاعفة خطيرة
وأوضح "الحربي": "من التبعات الخطرة أيضاً للاستخدام الخاطئ للمضادات، تطور البكتيريا لتصبح مقاومة لكثير من المضادات الحيوية؛ حيث إنها تتعود على طريقة عمل هذه الأدوية، وتنتج جيلاً آخر قادراً على مقاومتها، ولا يمكن لها الاستجابة لها؛ مما يتطلب جرعات أعلى من المضادات الحيوية، وأحياناً أنواعاً أخرى لها تأثيرات مضاعفة خطيرة، وكذلك يسهّل انتقالها إلى المحيطين بالطفل، وتعريضهم إلى مضاعفات هذه الميكروبات؛ لذلك على الطبيب والمريض أن يتعرف أولاً على بعض الأمور قبل صرف المضاد؛ ومن أهمها هل هذه العدوى بكتيرية؟ ما هو نوع المضاد الفعال لها؟ هل هناك بدائل للمضاد الحيوي؟ ما هي الأخطار في حالة عدم استخدامه؟ ما هي العواقب إذا تأخرنا في البدء في استخدام المضاد لمدة أربعة أو خمسة أيام أخرى".
 
وأكد أن المضادات ضرورية في كثير من الحالات؛ ولكن يجب أن نضع أيضاً في الحسبان ألا يؤثر ذلك سلباً على مناعة المريض، وأن نعرف السبب الرئيس لمعالجته.
 
سوء استخدام
وقال الدكتور سعد العزام -استشاري أطفال في العيادات الملكية الخاصة لخادم الحرمين الشريفين، لـ"سبق": إن البكتيريا تُطَوّر نظام مناعتها، وتخرّج أجيالاً منها مقاومة لبعض المضادات الحيوية، ومثال ذلك أن عقار البنسلين لم يعد قاتلاً للبكتيريا كما كان عند اكتشافه، ومن المعروف علمياً أن سوء استخدام المضادات الحيوية كوصفها بدون تشخيص دقيق، أو عدم إعطاء الجرعة المناسبة لمدة مناسبة، يؤدي إلى نقص في فعالية المضاد الحيوي في المجتمع".
 
وتابع: "بالنسبة للأطفال -وخصوصاً في السنوات الأولى- فهم يصابون بالعدوى بمعدل12-13مرة سنوياً؛ لكن غالبيتها العظمى هي عدوى فيروسية، وليس للمضادات الحيوية أي فعالية ضدها، وكثير من الأطباء وأهل الأطفال يستخدمون المضادات الحيوية بدون سبب مع الأسف".
 
وأشار "العزام" إلى أن المضادات الحيوية لا تسبب نقصاً في المناعة لدى الأطفال في أي عمر؛ فأسباب نقص المناعة -سواء الوراثية أو المكتسبة- ليس لها علاقة باستعمال المضادات الحيوية، ولا تنتج من استعمال المضادات الحيوية، وهذا لا يعني بأي حال التساهل في إعطاء المضادات الحيوية للأطفال؛ إلا إذا كان لدى الطبيب المؤهل سبب لذلك".
 
مفهوم خاطئ
وأضافت الدكتورة سارة بنت سليمان السبيعي، استشارية الأمراض المعدية للأطفال واستشارية مكافحة العدوى بمستشفى الملك خالد الجامعي، لـ"سبق": يكثر الحديث عن أن المضادات الحيوية تؤدي إلى ضعف مناعة الأطفال؛ لكن في الحقيقة هذا غير صحيح كما يعتقد الكثيرون؛ ولكن ما يمكن أن يحدث عند تناولها بكثرة هو الآثار الجانبية لها، وتختلف حسب نوع المضاد ومدة استخدامه؛ ومن أهمها الإصابة بالبكتيريا المقاومة للمضادات عند الوصف العشوائي المتكرر، وأيضاً الإسهال وفطريات الفم ومنطقة "الحفّاظ" والطفح الجلدي".
 
وتتابع: "مع الأسف الشديد، في المجتمع السعودي هناك إفراط شديد في استخدامها؛ حتى ولو كانت حالة الطفل لا تستدعي ذلك، وتكمن المشكلة في صعوبة قبول كثير من الناس النصيحة من الأطباء أن حالة الطفل بسيطة لا تحتاج مضاداً حيوياً، بالإضافة إلى عدم الصبر على الجرعة المحددة له، إذا لم تظهر نتيجته خلال أول أو ثاني يوم؛ حيث يتم بعدها ترك المضاد الموصوف للطفل، وتغييره بمضاد آخر!
 
تقتل البكتيريا المفيدة
وتؤكد "السبيعي"، أن بعض الآباء لا يعلم أن المضادات الحيوية تقضي على البكتيريا في الجسم، ومع الأسف لا تقضي على البكتيريا الضارة المسببة للأمراض فحسب؛ بل تقضي أيضاً على كثير من البكتيريا المفيدة والمهمة التي يستفيد الأطفال من وجودها في أجسامهم؛ فهو يعد تدخلاً كبيراً في التوازن البكتيري الخاص بالجسم، والتعاطي المتكرر لها يؤدي إلى مشاكل صحية متعددة.
 
وثمة أمور مهمة يجدر التنبيه عليها وهي: على المريض ألا يلحّ على الطبيب أو الصيدلي بصرف المضاد الحيوي، عليه أيضاً أن يتأكد من كيفية أخذ الدواء وعدد المرات والمدة، وهل يؤخذ قبل الأكل أو بعده، وغيرها من التعليمات.. والأهم أنه لا بد من إكمال المدة المحددة للعلاج، ولا ينبغي إيقاف تناوله عند تحسن الحالة؛ لأن ذلك يؤدي إلى ظهور البكتيريا مرة أخرى، وقد تكتسب مناعة من المضاد بحيث لا تتأثر به مستقبلاً؛ مما يؤدي إلى صعوبة العلاج".
 
توعية وإرشاد
جدير بالذكر أن بعض الدراسات العلمية المحلية التي أُجريت على بكتيريا المكورات الرئوية لدى الأطفال، المسببة لالتهاب السحايا، وتسمم وتجرثم الدم، والتهابات الرئة، والأذن الوسطى، والجيوب الأنفية، ثبت -من خلالها- أن هذه "البكتيريا" وصلت مقاومتها لمضاد "البنسلين" لنسبة تصل إلى 50%.
 
وأردفت: "بما أن الاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية مفقود لدينا في السعودية، من هنا نجد ضرورة التأكيد على الحفاظ على نجاح المضادات المستخدمة حالياً؛ من خلال ترشيد استعمال المضادات الحيوية، وتوعية الأفراد بعدم استخدامها دون وصفة طبية، كما يجب العمل على تقصي المعلومات حول أنواع الجراثيم المقاومة في السعودية ونِسَب انتشارها.. وعلى الرغم من أن هناك قراراً صادراً عن وزارة الصحة منذ أعوام عدة بمنع الصيدليات من بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية؛ ولكن مع الأسف يفتقر لآلية التنفيذ والمراقبة؛ ولذلك نأمل أن تتبنى وزارة الصحة تنظيم صرف وبيع المضادات الحيوية، وتوقف الصيادلة عن صرفها دون وصفة طبية".
 
توصية
من جهة أخرى، أوصت الهيئة العامة للغذاء والدواء في حلقة نقاش "الاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية" بعدد من القرارات المهمة لتنظيم بيع المضادات الحيوية؛ منها تسجيل المضادات الحيوية وتنظيمها، والاستخدام الخاطئ لها في الصيدليات التجارية، والإفراط من قِبَل مقدمي الرعاية الصحية في صرفها، ووضع سياسة خاصة بوصفها.
 
كما قاموا بإطلاق حملة لتثقيف المواطن والمقيم بعنوان"المضاد ليس حلاً"؛ للحد من بعض الممارسات الخاطئة عبر حملات التوعية التي وجدت تفاعلاً كبيراً.
 
وتطمح الهيئة إلى إنشاء مركز التميز البحثي لإجراء دراسات على الممارسات الدوائية والغذائية، كما أوصت بتفعيل نظام مراقبة الصيدليات الأهلية، وإيجاد قاعدة بيانات مسحية لمعرفة المضادات الحيوية التي يساء استخدامها في الصيدليات الأهلية وصيدليات المستشفيات، وإجراء أبحاث تطبيقية لمعرفة الخلل الحقيقي الذي أدى إلى استخدامها بطريقة غير منظمة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org