ماذا بعد فيديو الذبح المؤلم؟

ماذا بعد فيديو الذبح المؤلم؟
شاهد معظمنا المقطع المصور لعملية ذبح الخراف "الأضاحي" بطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مروعة وبشعة، فضلاً عن كونها عملية تمت بشكل مخالف للشريعة الإسلامية.
 
ومن المفارقات العجيبة أننا من أشد شعوب العالم تدقيقاً في موضوع الذبح على الطريقة الإسلامية، وسبق أن قامت وفود عدة بالسفر للدول التي نستورد منها اللحوم التي تردنا مذبوحة للتأكد من أن عملية الذبح تتم وفق الشريعة الإسلامية، وهو أمر محمود ومؤيَّد من الجميع، رغم أن الشرع أباح لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب؛ فهو حل لنا؛ يقول المولى - عز وجل - في سورة المائدة الآية (5) {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم...} الآية. وجاء في تفسير الآية أن المقصود بالطعام الذبائح. ومع ذلك، فإلزام الدول التي نستورد منها لحوماً بذبحها على الطريقة الإسلامية شيء مرحَّب به ومطلوب، لكن العجب العجاب أن يتم الذبح في بلاد المسلمين بهذه الطريقة النكراء، التي هي أسوأ بكثير من الصعق الكهربائي؛ كونه يمارَس بيد مسلم، في بلد مسلم.
 
وفي الحقيقة، الموضوع متشعب، وله جوانب عدة، تتعدى المرحلة الأخيرة المتمثلة في عملية الذبح؛ فهناك من المخالفات التي ترتبط بعملية تربية وتسويق وتجارة المواشي ما الله به عليم.
 
وأبدأ من الأسواق المنتشرة في جميع مدن السعودية، وهو ما يطلق عليها أسوق المواشي، أو الأغنام، فهي تقريباً متشابهة إلى حد كبير، وتدار بالطريقة نفسها التي يغلب عليها العشوائية، وافتقارها لمعظم شروط السلامة والوقاية من الأمراض. فنظرة واحدة على سوق الأغنام في أي مدينة تعطيك فكرة كاملة عن طبيعة السوق.. فلا زي موحداً للباعة، والعملية تتم بشكل عشوائي، بل إن بعض الرعاة ينامون فيما يشبه الغرف داخل زرائب المواشي، وجميع ما يعرض من أغنام يكون معرضاً للشمس على مدار اليوم، ولا توجد أي رقابة صحية قبل إتمام عملية البيع للزبون، وقد تُفاجَأ أثناء الذبح، وبعد أن يكشف الطبيب على الذبيحة، بأن الذبيحة غير صالحة للاستهلاك الآدمي لوجود مرض ما، أو أخذها لقاحاً، ولم تمضِ المدة الزمنية اللازمة لتخطي مرحلة الإصابة والوصول بالحيوان لمرحلة الشفاء التام.. فمَنْ يتحمل هنا الخطأ؟ فغالباً عملية البيع تتم بدون أوراق رسمية، ومعظم من يبيعون الأغنام ممن يتجولون بسياراتهم، وغالباً ما تتم عملية الشراء منهم بشكل أكبر من تلك التي تتم عن طريق الأحواش المرخصة من البلدية، رغم أنها تعاني الكثير من حيث النظافة وسوء التنظيم والعشوائية.. فما ذنب الزبون في تحمُّل قيمة خروف قد تتجاوز الألف ريال نتيجة وقوعه ضحية عملية نصب أو احتيال أحدهم ممن لا أمانة له؟ وإلا فعليه أن يعود ليبحث عمَّن باعه الخروف، وهو هنا كمن يبحث عن دبوس في كومة قش!
 
إن عملية بيع وتسويق الأغنام وذبحها تعاني الكثير من العشوائية وسوء التنظيم؛ ولا بد من تدخل فوري من الجهة أو الجهات المعنية لوضع حد لهذا الوضع المتدهور من سنة لأخرى.. فتجمع الباعة في السيارات من كل حدب وصوب أمر مرفوض؛ وفيه مجال كبير للغش، وتسلل الكثير من المواشي المريضة؛ ما قد يكون سبباً في تفشي الكثير من الأوبئة، ناهيك عن تلوث البيئة؛ فكثير من الأغنام النافقة تجدها ملقاة على جانب الطريق بدون اكتراث، بينما لو نُظمت العملية، وأصبح للسوق إدارة وبوابة رسمية؛ وروقبت الحظائر تلفزيونياً، وكانت مسجَّلة بأرقام، وكان البيع بسندات رسمية، لضمن الزبون حقه في حالة ثبوت مرض أو عدوى بعد الذبح. 
كما يجب أن ينظر في موضوع الذبح بشكل جدي؛ فالطريقة التي يتم بها الآن لا تمت للسُّنة بصلة؛ فالأنعام تُذبح أمام بعضها، وتُجر بطريقة مؤلمة، بحجة الزحام. فلماذا الزحام وهناك علم التخطيط والإدارة، وعلى ضوء إحصاء عدد الماشية التي يتم استهلاكها يومياً من سوق الأغنام مباشرة يتم تأمين مسالخ كافية بعدد كاف من العاملين المتخصصين في مجال الذبح، والطب البيطري، والإشراف المهني على المسالخ من حيث النظافة ومتابعة عمليات الذبح والتنظيف؟.. فالمهمة ليست سهلة كما يتوقعها البعض، لكن إمكانية الوصول إلى النجاح فيها بشكل مريح ممكنة متى ما توافرت الإرادة، وطُبّق النظام بالشكل الصحيح.
 
لقد أصبحت الأضحية لكثير من الناس تمثل كابوساً من حيث السعر والذبح؛ ما أفسد عليهم فرحتهم بتأديتها بوصفها شعيرة وسُنّة شرعية؛ فعملية الشراء أصبحت من المهمات الشاقة، بل المستحيلة لبعض الناس من ذوي الدخل المحدود، نتيجة ترك أمر تحديد السعر للباعة، ومن ثم رفعه بشكل مبالغ فيه، رغم أن الاحتكام للوزن وتحديد سعر الكيلو هو المعمول به عالمياً، وهو ما يجب أن تسعى الجهات المسؤولة لتطبيقه بضمانات تحمي المشتري من أية محاولة للغش أو التلاعب بالأوزان، وبذلك يستطيع كل مواطن أن يحصل على مبتغاه بدون إكراه. أما موضوع الذبح فهو الهاجس الذي ما زال يساور الجميع أملاً بوضع حل عملي له؛ فقد سمعنا عمن خرج من بيته بعد صلاة العيد ليذبح أضحيته ولم يعد إلا الخامسة عصراً! 
ومن الحلول المقترحة، التي يمكن أن تشكِّل حلاً مناسباً، المسالخ الآلية المؤقتة التي يمكن نصبها في كل حي في المواسم، التي تُجهَّز بطواقم عاملة مدربة، ويتبع فيها سياسة الأرقام والوقت لكل رقم؛ ما يوفر الكثير من الجهد والوقت الضائع على المواطنين.
 
 فهل يجد ندائي هذا للمسؤولين استجابة فورية، وتوضع الدراسات العلمية التي من شأنها أن تنقل العمل في مجال تربية وبيع المواشي وذبحها من العشوائية والاجتهاد إلى مرحلة التنظيم والإبداع؛ فنريح ونستريح؟ أرجو ذلك. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org