"سبق" تستطلع الآراء حول "برنامج الابتعاث".. هل طوّر الشباب أم زاد البطالة؟

بعد أكثر من ١٠ سنوات من ابتعاث ١٥٠ ألف مبتعث ومبتعثة إلى ٣٢ دولة حول العالم
"سبق" تستطلع الآراء حول "برنامج الابتعاث".. هل طوّر الشباب أم زاد البطالة؟
- د. زينب أبو طالب: لماذا لا تنفق مبالغ الابتعاث الطائلة على تطوير الجامعات السعودية؟
- د.عبدالرحمن الحبيب: برنامج الابتعاث الخارجي رائد وضخم وناجح وأفاد الشباب.
- د.على الخشيبان: الابتعاث يُعتبر أعظم فكرة مستقبلية للاستثمار في الإنسان السعودي.
- المبتعثة أماني العتيبي: إيقاف الابتعاث إلى الدول العربية خطوة لتطويره.
- المبتعثة إلهام قطان: الكثير من المبتعثين ليس لهم مكان في سوق العمل بسبب عدم الربط بين الاحتياجات والتخصصات.
 
ريم سليمان- سبق- جدة: ما بين الإطراء على إيجابيات برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والتقليل من مخرجاته وفوائده، جاءت آراء المختصين الذين تحدثوا لـ"سبق" عن رؤاهم، وتقييمهم لهذا البرنامج الذي مر عليه أكثر من ١٠ سنوات، وابتعث ما يقارب ١٥٠ ألف مبتعث ومبتعثة إلى ٣٢ دولة حول العالم.. ليناقشوا من جديد إيجابيات الابتعاث الخارجي، وهل ما زال يلبي احتياجات سوق العمل المحلي أم زادت بسببه بطالة حاملي الشهادات؟
 
إيقاف الابتعاث
أماني العتيبي مبتعثة في الأردن، رأت أن إيقاف الابتعاث إلى الدول العربية خطوة للتطوير في البرنامج، مشيرة إلى أن الكثير من المبتعثين والمبتعثات في الدول العربية يعانون الكثير من المشاكل؛ بسبب التوترات السياسية الموجودة في الكثير من الدول العربية.
 
سوق العمل
واتفقت معها المبتعثة إلهام قطان والتي رأت أن الابتعاث إلى الدول الأجنبية يفيد المبتعث بشكل أكبر، لا سيما أن الجامعات السعودية تفوقت على كثير من الجامعات العربية، والابتعاث إلى تلك الدول لا يطوّر الفرد، وقالت: الهدف من الابتعاث هو الحصول على دراسة على مستوى أعلى، وبشكل تخصصي، وهذا ليس موجوداً في الجامعات العربية، لافتة إلى أن هناك الكثير من المبتعثين ليس لهم مكان في سوق العمل؛ بسبب عدم الربط بين احتياجات السوق وتخصصات المبتعثين.
 
نموذج مؤقت
وأوضحت عضو مجلس الشورى الدكتورة زينب أبو طالب، أن المبتعث الواحد يكلف ميزانية الدولة سنوياً ما لا يقل عن ربع مليون ريال، متسائلة ماذا لو أنفقت المبالغ التي صرفت على الابتعاث على الجامعات السعودية؟ حتى تستقطب أفضل الكفاءات العالمية بعقود مغرية جداً؟ وتابعت: أعتقد أن الجامعات السعودية كانت ستصبح الأفضل، مشيرة إلى أن الرسوم الدراسية الطائلة وتذاكر السفر والتأمين الطبي وغيرها من المكافآت وبدلات المبتعثين كفيلة بأن تحقق تقدماً نوعياً في العملية التعليمية في المملكة، في حال توفر الإدارة الذكية للموارد المادية والبشرية.
 
وأضافت أن المختبرات الحالية في عدد من الجامعات الغربية قديمة وبدائية (رغم سمعتها العالمية) مقارنة بما هو موجود في بعض الجامعات السعودية، وهو ما يعرفه العديد من المبتعثين، لافتة إلى أن نموذج الابتعاث للخارج هو نموذج مؤقت لمعالجة ظاهرة عدم استيعاب الجامعات لخريجي الثانوية، ومحاولة بريئة لسد حاجات الجامعات الناشئة لكوادر بشرية في تخصصات متعددة، بيد أنه علينا أن نعرف حدوده والثمار الإيجابية والسلبية الناتجة عنه، سواء كان ذلك في إطار التنمية الاقتصادية والسياسية والأمنية للمملكة.
 
سوق العمل
ورداً على فائدة الابتعاث إذا لم يتم توظيف الخريجين، أجابت "أبو طالب": لا فائدة للابتعاث إذا كان عبئاً على سوق العمل بزيادة العرض مع قلة الطلب في الوظائف، وما فيها من منافسة لخريجي الداخل على وظائف محدودة.
 
ولتقليص الهدر نصحت بمراجعة سياسة الابتعاث الخارجي، ومراجعة بعض النماذج الناجحة كالنموذج الصيني الذي اعتمد على تهيئة مبتعثيه (ليس بدورة ثلاثة أيام عقيمة) ولكن ببرامج متخصصة تعزز نجاح المواطن الصيني في دولة الابتعاث كأمريكا وأوروبا. بحيث تكون هذه الدورات مساندة لمدة عام أو عامين في التخصص ذاته ولغة التخصص، والتركيز على الطب والتكنولوجيا والهندسة والحاسب وتطبيقاته والأمن الصناعي وأمن المعلومات ومجالات العلوم كالرياضيات التطبيقية والكيمياء الدوائية وعلوم الأرض والملاحة العسكرية والمدنية، وغيرها من التخصصات ذات العلاقة بالتنمية، وقالت: رحلة الابتعاث شاقة وتتطلب أن تكون نتائجها متوافقة مع الموارد التي صرفت من أجلها.
 
برنامج رائد
أما الكاتب ورئيس قسم الصحافة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن الحبيب، فرأى أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي رائد وضخم وناجح، حيث استفاد ويستفيد منه ما يقارب نصف مليون مبتعث ومبتعثة، كما خصص له أكثر من عشرة مليارات ريال، فلا يخلو بيت سعودي من أخ أو أخت أو ابن أو ابنة أو على الأقل قريب إلا ولديه بعثة خارجية.
 
ونظر "الحبيب" لمخرجات برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وقال: لا بد أن نؤكد حتمية وتعزيز التعاون المشترك بين وزارات التعليم والمالية والخدمة المدنية والعمل وصندوق الموارد البشرية والغرف التجارية ورجال الأعمال، في تهيئة وتخصيص وظائف لهم، كما ينبغي الاستفادة منهم في العمل في سفارات المملكة وخاصة الملحقيات الثقافية؛ لأنهم أقدر من غيرهم.
 
واقترح من منبر "سبق" إنشاء مدينتي تهيئة وابتعاث داخلي في الرياض وجدة، حيث ينخرط فيها الطالب الذي انطبقت عليه شروط قبول الابتعاث كمرحلة تحضيرية تتراوح ما بين 6 شهور إلى سنة كاملة، وتخضع لاختبارات مستوى يدرس فيها الطالب اللغة الإنجليزية بشكل مكثف وبإقامة كاملة، حيث يتم تهيئة المدينة المقترحة بشكل مقارب جداً للبيئة الموجودة في مدينة الغربة، من حيث جنسية المدرسين وطبيعة المناهج والوسائل التعليمية، كما أنها فرصة لتخفيف الصدمة الحضارية وفرصة لتعويد الطالب على الغربة بشكل تدريجي، وكذلك هي فرصة لدراسة الطالب عادات وتقاليد وأنظمة وقوانين البلد الذي سيُبتعث له.
تطوير الابتعاث
وأضاف أن السعودية خلال العشر سنوات الأخيرة قطعت خطوات إيجابية ورائدة، ولافتة للنظر، حيث سعت إلى الاستثمار الحقيقي في العقل البشري، ولا شك أن الدعم اللامحدود لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ومن قبله الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- للتعليم آتت أكلها، حيث كان عدد الجامعات قبل أقل من عشر سنوات فقط ثماني جامعات، وأما الآن تضاعف العدد إلى 28 جامعة، بالإضافة إلى عشر جامعات أهلية و32 كلية تعليم عالٍ أهلي مستقلة، وها هي الآن شركات وادي الرياض وجدة والظهران ومكة الذراع الأيمن للجامعات الكبيرة في بلادنا تسعى إلى تحويل اقتصاد المملكة من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة، وتبني ثقافة الابتكار وريادة الأعمال والاستثمار المتعدد.
 
وتابع قائلاً: لست مع الابتعاث إلى الدول العربية؛ لأن المملكة الآن تجاوزت بمراحل كبيرة كثيراً من الدول العربية، وخاصة في مجال أعضاء هيئة التدريس السعوديين الذين تجد معظهم من خريجي الجامعات الأمريكية والأوروبية، وكذلك في مجال توفر مصادر البحث والكتب والمعلومات والمكتبات الإلكترونية واستخدام الوسائل التعليمية المتقدمة، وتوفر المعامل ومراكز البحث المتقدمة فضلاً عن المباني الجامعية الضخمة وخدماتها ومرافقها المتعددة.  
 
استثمار المواطن
وعن تقييم المحلل السياسي والكاتب الصحفي الدكتور على الخشيبان لمشروع الابتعاث، رأى أنه من أكثر المشروعات التنموية نجاحاً على المستوى الوطني، وخاصة أنه يستهدف الإنسان السعودي وتعليمه، وقال: الابتعاث برنامج تنموي بهدف تعليمي ثقافي فكري متطور لتقديم فرص أكبر للطلاب والطالبات السعوديين للتعلم في أرقى الجامعات العالمية والاطلاع على ثقافات مختلفة.
وأوضح أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يُعتبر أعظم فكرة مستقبلية للاستثمار في الإنسان السعودي، لافتاً إلى أنه حقق خلال السنوات الماضية نجاحات كبرى ونتائج مبهرة، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال تلك الأعداد الهائلة من أبنائنا الطلاب والطالبات السعوديين الذين يتلقون تعليمهم في كل دول العالم، كما أن الإقبال الكبير على البرنامج من قبل الطلاب والطالبات، يعكس تقييماً إيجابياً لبرنامج الابتعاث، بل ويدعو للاستمرار فيه وتوسيع دائرته.
 
الظروف السياسية
ورداً على أسباب منع الابتعاث للدول العربية، أجاب "الخشيبان": من المؤكد أن تجربة الكثير من الدول العربية في مجال التعليم رائدة وخاصة الدول العريقة منها، بيد أن معظم دول العالم العربي الرائدة في المجالات التعليمية تعرضت للكثير من الظروف السياسية التي هي بالتأكيد لها أثر على البيئات التعليمية خاصة الجامعات، متوقعاً أن يكون هذا أحد الأسباب التي تم النظر إليها في قضية تقليص الأعداد المبتعثة إلى جامعات بعض الدول العربية، لافتاً إلى أن الجامعات العربية المرموقة في كثير من الدول العربية أصبحت مزدحمة بالطلاب والطالبات من المملكة، وهو ما يتطلب التأني ولو قليلاً لحين تخرج نسبة أكبر من هؤلاء الطلاب والطالبات ومن ثم يتم ابتعاث مجموعات جديدة مستقبلاً.
 
وأوضح لـ"سبق" أنه ليس هناك خلل في عملية الابتعاث ومن يقول غير ذلك فهو خاطئ، مؤكداً أن التنظيمات والإجراءات التي تتم من خلالها عملية الابتعاث أثبتت نجاحها خلال السنوات الماضية، وهو ما يوجب الدفاع عن البرنامج من الجميع، وقال: طرح التأثيرات السببية حول هذا البرنامج من قبل الكثيرين في المجتمع ووصم البرنامج بأنه تسبب في مؤثرات سلوكية وأخلاقية سلبية أو غيرها على الطلاب، يدل على تسلط فئات تستثمر دورها الأيديولوجي في المجتمع؛ لكسر عجلة التطور والتغيير تحت فرضية التأثير من تلك الفئات على المجتمع.
 
وتابع المحلل السياسي معتبراً الابتعاث هو المشروع التنموي الأكبر في المملكة والمشروع الأهم؛ لكونه يمس بناء الإنسان السعودي، وقال: الذين يحاربون برنامج الابتعاث إنما يركزون على السلبيات فقط، فمعظم المحاربين لبرنامج الابتعاث إنما يستخدمون العاطفة لترهيب الناس من الابتعاث، وهذا أسلوب خاطئ.
 
وأفاد بأن هناك فوائد للابتعاث، ولولا إدراك الحكومة السعودية لهذه الفائدة لما أوجدت برنامج الابتعاث، موضحاً أن ظاهرة ابتعاث الطلاب من أقدم الظواهر التربوية ومستخدمة في جميع مجتمعات العالم قديماً وحديثاً، فعلى سبيل المثال يقول لنا التاريخ إن الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب نفسه ذهب لطلب العلم في بلدان كثيرة، وهذا يدل على أن الابتعاث يدخل في منظومة طلب العالم النافع للوطن.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org