مقياس وطنيتك!!

مقياس وطنيتك!!
الوطن تلك القيمة الكبيرة، والمعنى العميق، وذلك الدفء والحنان الدافق، مكانته في النفوس لا تدانيها مكانة، ومقدار التضحية في الذود عنه لا تحده حدود، ولا يمكن اصطناعه أو ادعاؤه أو افتعاله؛ لأنه شعور حقيقي بحب الوطن، وهو من البِرّ. ومثلما للوطن بررة متفانون في حبه وأداء حقوقه هناك عاقون له، مضيعون لحقوقه، مهما ادعوا حبه، وتظاهروا ببره، وشككوا في إخلاص الآخرين له.
 
فحب الأوطان من الإيمان، والبر بالوطن وأداء حقوقه من حسن الخلق، ومن الوفاء، ومن الأمانة، ومن الأصالة، ومن الحكمة، ومن حسن العمل، ومن التربية الصالحة.. وهو من دلالات النفس السوية المتوازنة.
 
وقد عُرف أبناء المملكة العربية السعودية على مر الأزمان بحب الوطن والولاء لولاة الأمر، الذين هم صمام الأمان، وهم رأس الحكمة وربان السفينة في أسوأ الظروف التي مرت بها المنطقة، والتي تكاد تعصف بها بين حين وآخر، ونجد قادة السعودية هم من يلقون طوق النجاة، سواء بالرأي السديد أو الدعم السخي أو الحكمة في تسيير الأمور، بما يخدم الأمة، ويحقن دماءها، ويعزز لحمتها.
 
لكن الوطنية الحقيقية لا تقبل المزايدات ولا المكايدات ولا الاصطياد في الماء العكر، ولا يمكن إقحامها في المماحكات السياسية أو الفئوية أو الخلافات الفكرية، بل هي الصدق والإخلاص في حب الوطن أرضاً وإنساناً ومجتمعاً واقتصاداً وأمناً واستقراراً.. هي السعي لأن يكون أبناء الوطن جسداً واحداً، وصفاً واحداً، وكلمة واحدة، تقود إلى منع التفرق والشتات، وتحقن الدماء، وتصون المكتسبات، وتحفظ هوية المجتمع ومقدراته.
 
المزايدات وادعاء حب الوطن والتشكيك في وطنية الآخرين واستغلال الظروف الطارئة للطعن في وفاء الآخرين ومحاولة إظهار الوطنية على حساب المواقف التي تفرزها الأحداث.. كل هذا لا يمكن أن يصب في خانة الوطنية، ولا يمكن أن يسمى وطنية بحال من الأحوال، بل هو سلوك انتهازي رخيص، يتناقض مع الوطنية جملة وتفصيلاً؛ لأنه في واقع الأمر يشرخ جدار الوطن، ويمزق المجتمع، ويجعل أمن البلاد ووحدتها الداخلية في مهب الريح، ويجعلها عرضة للاختراق والضعف في مواجهة المهددات الخارجية.
 
ما أحوجنا في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة إلى الاجتماع إلى كلمة سواء من أجل الوطن، وما أحوجنا إلى الوقوف صفاً واحداً لمنع اختراق الجبهة الداخلية في زمن أصبحت فيه وسائل الاختراق في كل بيت وفي كل موقع؛ إذ ظل المتربصون يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي التي لا رقيب عليها ولا ضابط لحركتها، ويستدرجون السذج والبسطاء من الشباب، وتصديرهم ليكونوا حطباً لأحقادهم وأبواقاً لأهوائهم
 
الوطنية إحساس ومشاعر وتربية وحق ودين، وهي شعور عميق ينبع من داخل المواطن، يجعله يقدم روحه وماله من أجل الوطن، دون أن يقنعه أحد بذلك، فهي لا تحتاج إلى دليل ولا ضجيج ولا تخوين ولا شهود، بل هي الأفعال والصدق في التوجه، والحرص على الأمن والمجتمع، والعمل على تحقيق الاستقرار وحماية الدين والأرض والعرض، والوفاء للوطن الذي احتضننا وربانا وعلمنا وأظلنا بمظلة الأمان والاستقرار، وجعلنا نشعر بالاعتزاز بالانتماء إليه، والفخر بخدمته وصونه والذود عنه.
 
وما أروع التعبير الحقيقي عن الوطنية، وتجسيدها من خلال العمل بصمت من أجل الوطن والمواطن، والحرص على كل شيء فيه المصلحة العامة.. وكل من تراوده نفسه للكتابة أو التحدث عن اتهام الآخرين بعدم الوطنية أو تخوينهم سيكون أكثر صدقاً وأعمق وطنية لو استغل الوقت والجهد من أجل جمع الكلمة ووحدة الصف وتحقيق أهداف الوطن الحقيقية، بدلاً من محاولة بناء وطنية زائفة من خلال التشكيك في الآخرين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org