"أوباما" في البيت "الأبيض"!!

"أوباما" في البيت "الأبيض"!!
نحن أمة عربية كان هاجس قادتها، ومن قبلهم شعوبها، تحقيق وحدة توافرت لها كل أسباب التكامل "اقتصادياً، اجتماعياً وجغرافياً"! والانصهار في كتلة عربية سياسية قوية مؤثرة في مواجهة القوى العالمية، التي دأبنا منذ عقود على تحميلها المسؤولية عن كل إخفاقاتنا وخذلاننا! تحت عناوين أبدعنا في صياغتها! وجهدنا في إقناع أجيال وأجيال بخطورتها على "وحدتنا" الحلم العربي! حين روج العرب ما أسموه بالأطماع الاستعمارية، ونزعة الهيمنة على مصادر الطاقة! ومنها انطلقنا لتبرير الفشل، حيناً بادعاء الوقوع في شراك التآمر الخارجي!
 
وأحياناً لا تحصى بخيبة أمل في تحالفات استراتيجية، أثبتت الأحداث المفصلية هشاشتها! وتأكدت معها حقيقة نظرة تلك القوى لعالمنا، من منطلق أن العلاقات تحكمها ديمومة المصالح المتبادلة ونفاذها، وليست العواطف ولا صداقات دائمة!
 
وآخر عناوين نكسات العرب، التي تجلت فيما يصفه الرابحون وتجار الحروب بالربيع العربي، ما يتردد على ألسنة أساطين التحليل السياسي على قنوات فضائية مختلفة الميل والهوى بأننا نواجه خطر مخطط استعماري جديد، تنفذه قوى كبرى، بدعم إعلامي صهيوني، يهدف إلى إضعاف الدول العربية، والسيطرة على مقدراتها وثرواتها، باعتماد آلية تقسيم المقسَّم، وتجزئة المجزَّأ على خارطة العالم العربي (المهترئة) من البحر إلى البحر!
 
ولئن صح القول فإن القوى الساعية قدماً لتحقيق أطماعها وطموحاتها على حساب أحلامنا كأمة عربية واحدة قد عمدت لرص صفوفها في تكتلات وضعت مصالحها ورخاء وأمن شعوبها هدفاً لا تحيد عنه، وقد تخلصت من عقد العنصرية والفئوية وكل ما خلفت الحروب العالمية من ملايين الضحايا والدمار!
 
ومن يتأمل في الواقع العربي المتشظي بأيدٍ وألسن عربية! يدرك كم باتت أهداف الأعداء أقرب مما كانوا هم يتصورون! فها هي معاول الهدم تنشط في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية داخل المجتمع العربي الواحد! وسهام الإقصاء والتكفير تتجه لخاصرة الأمة وتدميها! حتى عدنا أدراج جاهليتنا الأولى بالتنابز بالألقاب والأحساب والأنساب، إلى أن أدركنا المفاضلة بألوان البشرة وأساطير العشيرة والقبيلة!
 
سيداتي والسادة من أمة العرب، أذكّر من تندر أو استخف بترشح السيناتور "الأسمر"! عن الحزب الجمهوري باراك حسين أوباما (وهو الأمريكي المتحدر من أصول إفريقية ومن أب مسلم)! لخوض سباق الرئاسة الأمريكية ضد مرشحة الحزب الديمقراطي "البيضاء"! السيناتور هيلاري كلينتون! حينها استحضر الأعراب تجربة خاضها السيناتور الأسود، القس والناشط الحقوقي جيسي جاكسون مرشحاً للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في العام 1988م، وخسرها لأسباب لا صلة لها بلون بشرته! لكنها غضبة اللوبي "الصهيوأمريكي" الذي أطاح بأحلامه عقاباً له على خطاب فسره اليهود بأنه يقلل من شأن مظلمتهم (محرقة الهولوكوست)! ويعزز ملف القضية الفلسطينية! وقد يعذر من توقع إخفاق أوباما "الأسمر" في رئاسة دولة لها ماضٍ عنصري، موثق بدماء السود ومناضلهم الخالد مارتن لوثر كينج!
 
تفاءل من تفاءل، وتشاءم من تشاءم! فقد أشرقت شمس الحقيقة، ومعها أُعلن اسم الرئيس الأمريكي (الأسمر) باراك أوباما! الذي أسقط في طريقه للبيت الأبيض المرشحة البيضاء هيلاري كلينتون، التي لم تكن قد تخلصت من بقايا جاهلية الكاوبوي! حين عيرته بديانة أبيه "المسلم"، والتحاقه بمدارس إندونيسيا! وروجت ضده في حملاتها المدعومة بقوة مالية وإعلامية هائلة أراجيف حول أخطار محتملة على أمريكا وشعبها في حال تولى أوباما منصب الرئيس، مذكرة الناخب الأمريكي بحادثة 11سبتمبر والحرب التي يشنها وطنها على الإرهاب!
 
وأصبح باراك حسين أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بفضل برنامج انتخابي أقنع الناخب بتفاصيل جسدت طموحاته وتطلعاته وآماله، وتمحورت حول أسباب ضمان بقاء أمريكا عظيمة، متفردة في زعامة الأمم، يدعمها اقتصاد جبار، وكفاءات علمية ووحدة وطنية وهدف ومصير وتفوق عسكري!
 
من هنا أدلف إلى درس أحسبه الخلاصة التي يتوجب على العرب الاستفادة منها في رسم ملامح مستقبل أوطانهم وشعوبها! فتلكم هي أمريكا تتحد بأصوات غالبية شعبها (المختلط) لتنتخب رئيسها، الذي وضع نصب عينيه مصالحها وأمنها القومي، وتطلعات ناخبيه والشعب بمختلف شرائحه وأعراقه وأطيافه أولاً، من أجل أمريكا قوية عظيمة، وإلى ما لا نهاية! فلا أحلام يرجى تحقيقها للمسلمين المتأملين في ابن حسين خيراً تتحقق! ولا إنصاف كان منتظراً لقضايا العرب الشائكة لاح في أفق! ولا تنمية مرجوة لإفريقيا (موطن حلوة اللبن والدته) أطلت برأسها على قارة البؤس تلك!
 
وها قد آن أوان تلاحم الشعوب العربية بقياداتها لدرء المخاطر المحيطة بأوطانهم، ولإفشال وفضح الأجندات الخفية! التي تنهل من أرشيف تراكمات، تغذي شرايين الفرقة والتناحر، وتمد الإرهاب وأربابه بأسباب التعنت واستمراء سفك الدماء وترويع البشر! فأمان الشعوب من أمن الأوطان! والمصالح العليا لا تتأتى إلا بلحمة الشعب والقيادة، من أجل حماية وبناء وإنماء وطن عظيم شامخ، بقوة الله وعونه، ثم بهمم رجاله وعزائمهم. وقديماً قالت العرب: "ما حك جلدك.. مثل ظفرك"! 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org