هناك ليس أفضل من هنا..!

هناك ليس أفضل من هنا..!
لا تذهب بعيداً بأحلامك، وتراوغ كثيراً في أهدافك؛ فنحن لا نزال نمارس في حياتنا اليومية - وبلا وعي - أفعالاً وطموحاتٍ موغلة في التعب.. لم نكتشف أنفسنا بعد، وإنما نسعى في البحث عنها عبر المحاكاة أو التماهي مع الآخرين، وحين نصل إلى خريف العمر ندرك أننا ضيعنا الكثير من لحظات السعادة في انتظار ما لا يأتي. 
 
هذه وصايا عظيمة اختصرها الشريف الرضي في بيت جميل يقول فيه:
 
فاصرف الهم إنّما العيش يوم *** ودع القول إنّما الدّهر عام!
 
ثمة معادلة صعبة بألا تفرط في أحلام المستقبل البعيد، وفي الجانب الآخر ألا تفرِّط في أن تعيش اللحظة بكل تجلياتها وتفاصيلها.. فكثير من الذين وصلوا إلى أهدافهم بعد أن حققوا ما كانوا يصبون إليه أمعنوا النظر إلى الوراء كثيراً، وشعروا بأنهم فقدوا أشياء كثيرة في الطريق إلى القمة، فضلاً عن الحنين والشغف إلى الأيام الأولى، والبدايات البسيطة، وبواكير الصبا وصداقات الشباب، حينها يتوقف ملياً ثم يجر نفسه طويلاً إلى الوراء ويقول "يا ليت أيام الصبا تعود".
 
والطفولة وحدها هي النقطة الأبرز التي نحنّ إليها؛ ربما أن أيامها لا تكون مقصودة في ذاتها ولا في أحداثها، لكن لأن الفطرة وقتها لم تُخدش، والبراءة لم تزيّف.
 
في حياتنا اليومية، وعلى مستوى الأفكار والأشخاص والأشياء البسيطة، نطالب بأشياء عظيمة، يغلب عليها الاستحالة، وحين تتسمر رقابنا، وتتخشب خطواتنا بعد أن نصل إليها، نشعر بأن كثيراً من هذه التضحيات ما كان ينبغي لها أن تقدم قرباناً لهذا الهدف أو تلك الأمنية، وندرك حينها - وما أكثر مداركنا المتأخرة - أن حياتنا السابقة أولى من الحالية.
 
هذه ليست دعوة لوقف الأحلام، أو السخط على الطموحات، وإنما إضاءة في طريق الوعي لمعرفة أنفسنا أولاً، ثم دوافعها واحتياجاتها؛ لتكون ذات فرادة وتميز، بعيداً عن تطلعات الآخرين وإنجازاتهم الخاصة بهم، وهي مصالحة الذات مع اللحظة الراهنة.. هي رسالة لأولئك الذين تبددت أمنياتهم قبل أن يحققوها أو عجزوا عن الوصول لها، ويكفي تعزية قول ابن السماك: "الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل، والذي لك من الباقي قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org