العيسى مصلحاً

العيسى مصلحاً
عادت من جديد حملة التشكيك مع وزير التعليم الجديد الدكتور أحمد العيسى كما بدؤوها مع الراحل محمد الرشيد؛ فالناس لا تريد أن تتعلم من أخطاء الماضي، وكأن التاريخ أحداث مجردة. فقد بدأت هذه الأيام حملة وهاشتاقات على مواقع التواصل باحثة عن إبر ضائعة في أكوام قش هائلة، مستهدفين تاريخ الوزير الجديد وأقواله وحركاته وتعليقاته، حتى وصل الأمر إلى تفسير دلالات صوره الشخصية!
 
وعلى الرغم من أن الوزير لم يباشر في مكتبه بعد إلا أن الهمز واللمز في توجهاته وأفكاره بدآ فور تعيينه، ونصب العديد محاكمهم الكلامية والتفتيشية على نصوص مقتبسة ومنحازة من كُتبه ولقاءاته الإعلامية وتغريداته السابقة، محاولين أن يوجهوا هذه الاتهامات ضده، فيما تطوع بعضهم إلى إعادة قراءة تاريخه الفكري وفق تفسيرات خاطئة، لا تستقيم مع المنطق والعدل، ومن ذلك اتهامه بالسماح للطرب والغناء في المدارس، وتهميش مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وفرض ضرائب على التعليم.. وهي مقولات وأفكار مبتورة من سياقاتها العامة، غرضها الطعن في أخلاق الوزير تمهيداً لقطع الطريق أمام إصلاح التعليم، فضلاً عن أن أي وزير لا يستطيع أن يغيّر في سياسة التعليم العامة للدولة القائمة على تعليم الدين، ومجّانية التعليم.. وهذه التهم أشبه حالاً بمن يقف عند آية {فويلٌ للمُصَلِّين...} دون أن يُكمل بقية الآية.
 
إننا إذا أردنا إصلاح التعليم حقاً في السعودية فيجب أن نعي دروس التاريخ وعوائق التنمية البشرية، وإعطاء الوقت الكافي لأصحاب المهنة؛ فأخطاء السنوات العشرين الماضية لا تصلحها الأيام القليلة. أما محاولات التشكيك وتفسير النوايا وزعزعة الثقة لأي خطوة إصلاحية جديدة، أو رؤية مستقبلية مبدعة، فلن يزيد التعليم إلا تعثراً وتراجعاً؛ ما يجعل الوزير ينأى بنفسه عن أي فكرة تتعارض مع رواسب المجتمع، وينشغل بأعمال الوزارة الروتينية من تعيين المعلمين وحوادث المعلمات والمباني المستأجَرة..
 
إن ثقل المركزية الجاثم على الوزارة، والنظر في رواتب ورتب المعلمين، وإضافة مقررات جديدة كالأخلاق، والتعليم من أجل الحياة، واستقلال الجامعات، وإعادة الاعتبار للبحث العلمي، وتمهين التعليم، هي قضايا ملحّة؛ تستدعي معالجتها جرأة في اتخاذ القرار، وصبراً على القيل والقال.. ويُفترض أن يدرك الناس أن قضية تطوير التعليم ليست في دغدغة عواطفهم الدينية، أو التساهل في منح الإجازات الدراسية التي أفرزت عدداً من الظواهر التربوية السيئة.
 
ولا نملك إلا التفاؤل لهذا الرجل، والدعاء له في مهمته الصعبة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org