ليست القضية تزويراً.. إنها قضية وطن

ليست القضية تزويراً.. إنها قضية وطن
لا نريد في خضم الأحداث المتلاحقة أن ننسى كواليس القضية المعروفة بـ"تزوير توقيع الوزير"، التي اتُّهم فيها المدير العام بمكتب وزير العمل و3 رجال أعمال بـ"تزوير توقيع الوزير"، من أجل الحصول على 1000 تأشيرة عمل. وهي القضية التي لم تنتهِ حتى اللحظة بـ"الإدانة" أو البراءة.
 
واقعة التزوير ذاتها قد يفصل فيها القضاء، لكن ما هو أخطر من تلك القضية مسلك الوزارة والوزير؛ إذ جاءت مكافأة وزير العمل المهندس عادل فقيه للمتهم الرئيس بالقضية بـ"الترقية"، وليس بكف اليد حتى الوصول للحقيقة ناصعة.. بل وصل الحال - كما ذكرت مصادر عدة (صحفية الوطن 22‏/ 10‏/ 2014) - إلى تسهيل حصول أحد رجال الأعمال المتورطين في القضية على 300 تأشيرة، بناء على وثيقة رسمية تتضمن توقيع وزير العمل عادل فقيه، والتوجيه بصرف 300 تأشيرة فقط للمتهم من أصل 532 تأشيرة طلبها.
 
التزوير - كما هو معروف قانوناً - يعدُّ من الجرائم الكبرى المخلة بالشرف والأمانة، التي تستوجب التوقيف، ويؤدي الأمر حال ثبوتها إلى الفصل من الوظيفة. ومن الناحية القانونية كذلك، كان يتعين إيقاف المعاملات كافة محل الاتهام، وكذلك سجلات المتهمين التجارية، لحين انتهاء القضية التي تنظرها المحكمة الإدارية بجدة حالياً.
 
هذه القضية علت نبرتها الإعلامية والصحفية منذ أيام عدة، ثم ماتت في خضم الأحداث، وكنا ننتظر من السيد الوزير عادل فقيه أن يخرج ليعلن تفاصيل القضية المنظورة أمام القضاء، ويجيب عن كثير من التساؤلات المطروحة حول واقعة التزوير، وما تبعها من مكافأة المتهم بالترقية، ثم حصول أحد المتهمين على 300 تأشيرة.
 
القضية - كما نراها - لا تتعلق بمجرد حالة تزوير، أو حتى اختلاس، أو رشوة.. ففي كل بلدان العالم تقع مثل هذه الجرائم، وفي كل بلدان العالم يقدَّم المتهمون للمحاكمة، لكننا لم نرَ أو نسمع في أي من بلدان العالم أن متهماً يكافَأ بالترقية، ثم يكافَأ المتهمون الآخرون بمزيد من التسهيلات؛ فهذه جريمة أكبر من جريمة التزوير.
 
إن جريمة التزوير جريمة تتعلق بضعف النفس البشرية أمام المغريات المادية، وهي جريمة تتعلق بوضاعة النفس التي تخون أمانتها، وهي جريمة في حق صاحبها في كل الأحوال، ولا يمكن أن نبررها، لكن التغاضي عن الجريمة، ومكافأة المتهمين من قِبل الوزارة، جريمةٌ في حق الوطن؛ تستوجب المساءلة.
 
إننا لو تفحصنا الخطوات التي قطعتها الأمم المتحضرة في بناء أسس تطورها، وتثبيت ركائز بنائها الحضاري، لوجدنا أنها ترتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بتطبيق قاعدة "الرجل المناسب في المكان المناسب".
 
ولبيان أهمية هذا الموضوع نذكر - على سبيل المثال - أن الولايات المتحدة كانت تملك جاسوساً روسياً يعمل مستشاراً للرئيس السوفييتي، جندته للعمل لصالحها أثناء الحرب الباردة، وبعد كشف علاقة هذا الجاسوس بالمخابرات الأمريكية تم التحقيق معه لكشف المعلومات التي كان يسربها إلى أمريكا فلم يعثر على أي شيء يدينه؛ لأنه لم يكن يرسل أية معلومات.
 
وقد فوجئ الجميع حين علموا بأن مهمة هذا الرجل التجسسية تقوم على أساس وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب؛ ما يؤدي إلى القضاء على أي فرصة للبناء والتقدم.
 
ونحن هنا لا ندين أحداً.. ولا نتهم أحداً في ذمته أو مسلكه.. ولكن من حقنا المعرفة، والمعرفة الكاملة.. لأنها قضية وطن أيها الوزير.. والوطن أغلى عندنا من كل شخص، ولو كان وزيراً.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org