أحد الناجين من تسونامي أندونيسيا يروي لـ"سبق" تفاصيل مثيرة: هكذا انتزع "التسونامي" الطفل من يدي وقتل أسرتي

قال: في الصباح سمعنا صوتاً هائلاً.. كل الناس كانوا يصيحون: اهربوا اهربوا..!
أحد الناجين من تسونامي أندونيسيا يروي لـ"سبق" تفاصيل مثيرة: هكذا انتزع "التسونامي" الطفل من يدي وقتل أسرتي

بندا آتشيه- تصوير: عبدالملك سرور : قصص تفوق الخيال رواها الناجون من تسونامي المد البحري الذي ضرب الكثير من الدول، ومن بينها إندونيسيا في صبيحة 26 ديسمبر 2004، مُخلّفاً آلاف الضحايا، أما الناجون فهم لم ينسوا ولن ينسوا كيف جرفت الأمواج الهائلة أحبابهم أمام أعينهم ليغيبوا إلى الأبد، وتترك لهم الحسرة والألم والذكريات المؤلمة.

في إقليم (آتشيه)، أقصى شمال غرب الأرخبيل الإندونيسي، وتحديداً في مدينة (بندا آتشيه)، التقت "سبق" أحد المنكوبين في قصة فريدة في حزنها وألمها.

يقول الشيخ ولدان، ويعمل معلماً للغة العربية في معهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية والعربية في بندا أتشيه: "جئت إلى هنا من قريتي البعيدة (اتشماتيه) حيث تسكن أسرتي في آتشي الشرقية.. وتبعد عن (بندا اتشيه) مسافة 9 ساعات بالباص. وجئت إلى هنا بعد حصولي على الثانوية –(العالية)- حيث استقريت مع أختي وزوجها ولديهما طفلان وتشاركهما السكن أيضاً أخت لزوج أختي لديها إعاقة ومعها خادمة لها".

ويتنفس "ولدان" في عمق لاستيعاب الذكريات المؤلمة مضيفاً: "في ذلك اليوم المهول الأحد 26 ديسمبر 2004م، وربما كان آخر أيام الحرب بين الحكومة في جاكرتا وهذا الأقليم، وكان مطلوباً مني المشاركة في الحراسات الدورية وكان علي السهر طيلة الليل. كانت نوبتي مساء السبت ليلة الأحد. واعتدت بعد نهاية حراستي مع الفجر أن أنام قليلاً. صباح الأحد فوجئت بأختي توقظني على غير المعتاد حيث عادة يتركونني أنام بعد ليلة مرهقة".

وأضاف: "أيقظتني مبكراً وطلبت مني الذهاب لشراء بعض الحاجات المهمة وكذلك إحضار ملابس لطفلها ذي الأربع سنوات والذي كانت تخطط لدخوله الروضة في نفس اليوم".

وتابع: "في البقالة وأنا أحضر الأغراض شعرنا بالزلزال المرعب الذي سبق التسونامي. أصاب الجميع الرعب، وبقينا في ساحة فارغة والناس بين تكبير واستغفار. كانت الساعة 7:45 دقيقة صباحاً، وكان عمري يومها 20 عاماً".

وأردف "ولدان": "بعد أن هدأ الزلزال عدت بسرعة على دراجتي الهوائية لتستقبلني أختي وهي تبكي بعد يأس من عودتي. كان الهدوء قد عاد ودخلنا للمنزل، وكنا نظن أنه كزلازل سابقة وانتهت الكارثة، لكن الحقيقة أن الفاجعة كانت قادمة".

وتجمعت الدموع في عيني "ولدان" وهو يكمل: "لو كنا نعلم بما هو قادم لكنا جهزنا السيارة وهربنا. كنت أغسل الرز تجهيزاً لوجبة الإفطار عندما سمعنا صوتاً قوياً ومرعباً لم أسمع مثله في حياتي. خرجنا بسرعة كان الناس يهربون بكل ما أوتوا من قوة ويحذرون: الماء قادم.. المد البحري.. اهربوا اهربوا.. كان الصوت من جهة البحر".

ويتوقف "ولدان" ليستجمع نفسه ويضيف: "كان منظراً لا يوصف قلت لأختي: هيا بسرعة خذي ابنتك فيما أمسكت أنا طفلها ذا الـ 4 سنوات فيما أخذ زوج أختي ابنته وسحبت الخادمة معها أخت زوجي المعاقة. كانت محاولة هروب مستحيلة".

وتابع: "لا يمكنك أن تصدق؛ أخذت الطفل في يدي، وحاولنا تسلق شجرة النارجيل الطويلة، فوجدت أحدهم سبقني لها ووصل لمنتصفها، وتوقف، فصعدت بدوري إلى أن اقتربت منه، وشاهدت زوج أختي أسفل مني، وكنا جميعاً نرى الموج الهائل الهادر قادماً مثل رؤوس الأفاعي الضخمة بارتفاع 30 متراً ربما. نظرت في عيون الطفل الصغير المرتعبة ووجهه الشاحب، وتمسكت به أكثر بيد، وتعلقت بالشجرة باليد الأخرى".

كانت لحظات من الصعب وصفها. يضيف: "في هذه اللحظات قلت لنفسي: إنها نهايتك يا ولدان.. لو كنت ستنجو لكنت ذهبت لعملك ككل يوم ولما بقيت هنا. جاءتني العديد من الوساوس. لكن ما أبكى قلبي هو الطفل الصغير في يدي وأيضاً كنت أنظر إلى أختي وهي في الأسفل وأصيح عليها (اهربي.. اهربي)".

لحظات مواجهة الموت يرويها بعيون دامعة: "ضربتنا الأمواج مرة وصمدنا.. وفي المرة الثانية انتزعت مني الطفل المسكين ولكنه قدره أسأل الله أن يجعله شفيعاً لنا في الجنة إن شاء الله.. عندما انتزعه الموج كانت آخر لحظة رأيته فيها. حتى الشجرة العملاقة انتزعها الموج. جرفنا التيار وغصت وطفوت وغصت وطفوت وسط كل بقايا الخشب وما حمله الموج معه قبل وصوله. كان الموج يحملني ويرفعني عالياً لدرجة أنني كنت أرى سقوف المنازل التي جرفها التيار في طريقنا كنت أغوص وأظهر وأغوص وأظهر أنتظر الموت كل لحظة. رأيت الموت يجرف أختي وابنتها في يديها رحمهما الله. أوقفني الموج على سقف منزل على بعد 5 كيلومترات في قرية أخرى".

مضيفاً: "عندما توقف بي الموج كنتُ مليئاً بالجروح والكسور. لم أصدق نجاتي. بدأ الماء يهدأ خلال ربع ساعة.. كان المنظر لا يوصف.. فوق الموج كنت أرى طائرات تمر وأسمع الصياح المرعب في كل اتجاه. بعد إنقاذي أطعموني بعض العسل وتم نقلي إلى منزل أحد أقاربي أعطوني بعض الملابس ثم بعدها رجعت أبحث عن أختي وأفراد عائلتها الستة فلم أجدهم بين كل الجثث التي تركها الموج".

ويذكر "ولدان": "بعد أيام رأيت في منامي أن أختي وزوجها وأطفالهما قالا لي في المنام السلام عليكم أنت لم تنقذ طفلنا الصغير لكننا وجدناه. نحن بخير. كانوا يلبسون ثياباً جميلة ويضحكون. بالنسبة لي لم أنس نظرته وقت غرقه. الحمد لله دائماً".

مضيفاً: "بقيت لأيام في غاية الإنهاك. ووصلت إلى أسرتي حيث أمي استقبلتني وأغمي عليها عدة مرات وبعدها بثلاثة أيام ذهب أخوالي للبحث عن الجثث مرة أخرى. فوجدوا جثة أختي عند المنزل حيث صرخت عليها بأن تهرب. دفنت في نفس المكان وهذا قبرها هنا ولم يجدوا البقية".

يقودنا ولدان لقبرها حول المنزل، وهو يقول: "الحمد لله أبشركم لم يأتِ التسونامي إلا بعد أن صمنا رمضان وستاً من شوال وفرحنا بالعيد وأسأل الله أن يغفر لهم وقد رأيتهم ثلاث مرات في المنام وكانوا في هيئة طيبة والحمد لله".

وعندما سألناه: لماذا لا تترك هذا المكان بهذه الذكرى المؤلمة؟، أجاب: "لا أستطيع مغادرة هذا المكان رغم الذكرى والمأساة. ليس لدي مكان آخر. ومما يجعلني أتمسك بهذا المكان هو شعوري أنني أراهم هنا في كل زاوية وكل لحظة ولو عاد التسونامي فالقدر لا رادّ له. وحتى لو انتقلت أشعر أنني لن أتوقف عن الحضور إلى هنا".​

#سبق_في_أندونيسيا برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية
#سبق_في_أندونيسيا برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org