"أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم".. القصة التي أبكت الضمير الإنساني

"أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم".. القصة التي أبكت الضمير الإنساني

الروهينجا المسلمون.. قصص يومية لا تصدق في مواجهة الموت والحلول تنتظر وقفة دولية حقيقية

أطفال في الخامسة يُذبحون لمحاولتهم منع اغتصاب أمهاتهم، وجثث مئات الهاربين تطفو فوق الأنهار، وكبار في السن يُحرقون أحياء، وغيرها كثير.. إنها ليست مقدمات فيلم "أكشن" ولا عرضاً إعلامياً خادعاً.. تعال إلى ميانمار حيث ستشاهد كل ذلك حقيقة تعاني منها أقلية الروهينجا المسلمة.

تقول إحدى اللاجئات لمحطة تلفزيونية عالمية وكلماتها تختلط بالدموع: "حاولت طفلتي -وعمرها خمس سنوات- التصدي لمحاولة اغتصابي؛ فاستل رجل سكيناً طويلاً وذبحها أمام عيني"!

وتصف كيف أن أخرى تَعَرّضت لنفس الحال، ذُبح رضيعها وعمره 8 أشهر أمامها.

اسحبوا جائزة نوبل!

ربما في نفس الوقت ما زال هناك قرابة 90 ألفاً من أبناء هذه الأقلية المسلمة يقطعون -في مغامرة محفوفة بالموت- ما بين 50- 60 كم للنجاة بأرواحهم وأطفالهم من أبشع طرق الموت التي تمارَس بحق مَن يُقبض عليه منهم من قِبَل سلطات ميانمار.

في خضم الصمت الدولي المخزي وعلى موقع "أفاز" الشهير للمطالبات؛ وقّع أكثر من 24 ألف زائر عريضةً للمطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام من مستشارة الدولة في ميانمار "أونغ سان سو كي"؛ بسبب صمتها عما تتعرض له أقلية الروهينغا المسلمة من اضطهاد.

وما عسى ينفع سحب الجائزة؟! فحال هذه الأقلية ربما ينطبق عليه فعلاً وصف إحدى المتحدثات باسم الأمم المتحدة بقولها: "هم على الأرجح أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم".

- حقائق الذل للضمير العالمي:

يروي تقرير لـ"نيويورك تايمز" بعض الصور الصادمة الأخرى: "الآلاف يمرون يومياً عبر التلال الطينية التي كونتها الفيضانات، يتعثرون ويقاومون الرياح القوية والغابات المتشابكة الزلقة بفعل الأمطار الغزيرة؛ على أمل الوصول إلى مخيمات اللجوء؛ عابرين آلاف الأميال من المناطق الوعرة المجهولة؛ فبعضهم لَقِيَ حتفه بفعل الجوع، وبعضهم حاملين أطفالهم الذين أصابهم الجفاف التام الذي أودى بحياة العديد منهم. وهناك من يغرق. مئات الجثث تتكدس يومياً.

تجدد الاضطهادات:

الأحداث الأخيرة تجددت مؤخراً بعدما حاول بعض الأقلية شَنّ هجمات بأسلحة بدائية؛ للمطالبة بحقوقهم.. وعلى الفور أطلقت سلطات ميانمار (بورما) حملات تطهير عرقية جديدة ضد أقلية مسلمي الروهينجا.

بدأ جيش ميانمار وحشود من البوذيين بإحراق قرى بأكملها، تساندهم المروحيات، وتم قتل الأطفال والنساء والمسنين وغيرهم بلا استثناء؛ في محاولة لدفع مَن تبقى للنزوح خارج البلاد بعد زعم سلطات ميانمار أن ما تقوم به هو ردة فعل على حراك للأقلية المسلمة البائسة.

تنديد أممي:

هذه القضية الإنسانية متجددة الفصول والأحداث الدامية. وكعاتها نددت الأمم المتحدة بذلك من خلال تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين قالت فيه إنها رصدت "أكثر من 35 ألفاً من النازحين الجدد خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة. وهذا يعني أن قرابة 1458 مسلماً يفرون من البلاد كل ساعة. وهذا يرفع مجمل عدد الهاربين من أعمال العنف في مقاطعة راخين خلال الأسبوعين الأخيرين إلى أكثر من 123 ألف شخص، وفاق هذا العدد إجمالي الفارّين في عملية النزوح الجماعي التي وقعت بعد أحداث العنف في عام 2016".

- قصة الروهينجا المسلمين:

يمكن تلخيص قصة هذه الأقلية المنكوبة في النقاط التالية:

- تقع دولة ميانمار (بورما) جنوب شرقي آسيا بين بنجلاديش وتايلاند، وتبلغ مساحتها أكثر من 650كم بقليل، وعدد سكانها قرابة 55 مليون نسمة، وعاصمتها رانجون، ولغتها الرسمية هي البورمية. وكانت تلك الدولة جزءاً من الهند، إلى أن قامت بريطانيا بإعلانها مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937 حتى استقلت عام 1948م.

- ميانمار دولة متعددة العرقيات؛ إذ تضم أكثر من 140 عِرقاً، أهمها البورمان 68%، والشان 9%، والكارين 7%، والراخين (مسلمو الروهينجا) 4%، والصينيون 3%، والهنود 2%، والمون 2%، بالإضافة إلى عرقيات أخرى تبلغ نسبتها نحو 5%.

- الروهينجا: أقلية إسلامية سُنية تقطن في ولاية أراكان غربي ميانمار، وبحسب التقديرات الرسمية فإن عددهم يقارب المليون، وبحسب الأمم المتحدة؛ فإن شعب الروهينجا أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم كله.

- بدأت المشكلة منذ محاولة هذه الأقلية المطالبة بحقوقهم والاعتراف بهم؛ وخاصة عقب إصدار قانون الجنسية الذي حرمهم منها، وعوملوا كمهاجرين غير شرعيين، وأخضعتهم الحكومة لأنواع من الابتزاز والضرائب التعسفية ومصادرة الأراضي والإخلاء القسري وتدمير المنازل وغيرها من أساليب استفزازية لدفعهم للهجرة.

- يعتقد مسلمو الروهينجا أنهم أحفاد التجار العرب الذين عاشوا في جنوب شرق آسيا منذ قرون؛ بينما ترى حكومة ميانمار أنهم مهاجرون من البنغال.

- إحصائيات

وفقاً لبيان لرابطة العالم الإسلامي؛ فإنه منذ مطلع الشهر الهجري الحالي بلغ عدد الضحايا 6334، وعدد الجرحى 8349، وعدد النساء المغتصبات 500 امرأة، وعدد القرى المحروقة 103 قرى، وعدد البيوت المحروقة 23250، وعدد مَن أصبحوا بلا سكن ولا وطن ولا ممتلكات 335000، وعدد النازحين الذين وصلوا بنغلاديش 145000، وعدد النازحين العالقين المنتظرين في الحدود 190000، وعدد المساجد التي تم هدمها 250 مسجداً، وعدد المدارس والمعاهد التي تم هدمها 80 مدرسة؛ فيما أغلق الاضطهاد جميع المساجد والمدارس والمعاهد.

- مواقف أممية ودولية ومنظمات إقليمية:

- في فبراير 2017م اتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن في ميانمار بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك القتل الجماعي والاغتصاب تحت تهديد السلاح، والضرب المبرح، وقتل الأطفال.

- في 2015 قالت تايلاند إنها مستعدة لاستقبال بعض اللاجئين من ميانمار؛ ولكن بدون إقامة دائمة.

دول أخرى مثل إندونيسيا طالبت سلطات ميانمار بوقف فوري لكل أشكال العنف ضد الأقلية المسلمة. وهو أمر مماثل لما قامت به باكستان وماليزيا. هذا فيما تتحرك تركيا بشكل متسارع لإيقاف الانتهاكات وتقديم العديد من المساعدات للمنكوبين.

- مواقف سعودية حاضرة:

في بيان لها قالت رابطة العالم الإسلامي: إن ما يتعرض له المسلمون الروهينجيون في بورما من اعتداءات وحشية وإبادة جماعية على مرأى ومسمع من الجميع؛ يُعَد وصمةً في جبين الإنسانية، ونعياً على قِيَمها الأخلاقية ونظامها الدولي.

وأشار بيان الرابطة إلى أبرز ما قدمته المملكة اتجاه هذه القضية؛ حيث ساندتها في المحافل الدولية، وفي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقدمت لهم تبرعاً بقيمة خمسين مليون دولار عبر برامج التأهيل الصحية والتعليمية، وبدأت في استضافتهم منذ عام 1948، وبلغ عددهم حالياً ما يقارب 300 ألف على أراضيها، واستجابة لدعوتها واتصالاتها فقد أدانت الأمم المتحدة الانتهاكات المستمرة ضد الروهينجا في أفق ما يتطلع إليه الضمير الإنساني من الحراك التالي والفاعل لإيقاف تلك المجازر الإرهابية.

- ماهي الحلول؟

تطالب كل منظمات الإغاثة الدولية بتحرك حقيقي لمجلس الأمن لإيقاف الانتهاكات الاجرامية. وحراك إنساني فاعل للدول المجاورة لاحتواء اللاجئين؛ غير أن ذلك لا يبدو كافياً ما لم تكن هناك ضغوط كبيرة من دول إسلامية ودول كبرى لها ثقلها على الأمم المتحدة وعلى حكومة ميانمار؛ لإيقاف تلك الجرائم التي تصنف في أعلى درجات التطهير العرقي.

كما ترى وكالات الإغاثة الدولية أن على الدول المجاورة مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا أن تقدم إجراءات أكثر سهولة لاحتواء اللاجئين أكثر مما تقدم حالياً.

أما لماذا تتردد هذه الدول؛ فالجواب تسوقه كريس ليوا الناشطة في المنظمات الإغاثية: "العديد من الدول المجاورة تخشى لو فتحت حدودها من أن تكون عُرضة لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي لا يمكن بموجبه إرغام اللاجئين على العودة إلى مناطق يكون فيها تهديد لأرواحهم أو حرياتهم".

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org