إمام وخطيب المسجد النبوي: مكة المكرمة محفوظة ومَن أرادها بسوء سيهلك

قال: إن من حرمتها أنّ سفك الدم فيها بغير حق أشد حرمة
إمام وخطيب المسجد النبوي: مكة المكرمة محفوظة ومَن أرادها بسوء سيهلك

عدّد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم فضائل مكة المكرمة البلد الأمين، وحرمة المساس بأمنها أو تخويف أهلها وقاصديها، وتعظيم الله لها حتى يوم القيامة؛ فهي قبلة المسلمين، وإليها يفدون لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام الذي جعل الله ثوابه الجنة.

جاء ذلك خلال خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلته بالمسجد النبوي؛ حيث قال إن من حرمتها أن سفك الدم فيها بغير حق أشد حرمة من غيرها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً) متفق عليه. ولا يخاف أهلها بحمل سلاح فيها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح) رواه مسلم.

وبيّن الشيخ القاسم أن الله عز وجلّ حفظ مكة وستبقى محفوظة بحفظ الله، ومن أرادها بسوء أهلكه الله؛ فأصحاب الفيل أرادوها بشرٍّ فحبسهم الله عنها، وجعلهم عبرة إلى يوم الدين، قال عليه الصلاة والسلام: (يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض -أي صحراء- يخسف الله بأولهم وآخرهم) رواه البخاري.

وأضاف أن الله عز وجلّ تَفَرد بالخلق والتدبير والاصطفاء؛ فاختياره دالّ على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته، وقد فاضل سبحانه بين الذوات والأعمال والشهور والأيام؛ فخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأعمال توحيد الله وإفراده بالعبادة، وأشرف الشهور شهر رمضان، وأعز الليالي ليلة القدر، وأفضل الأيام يوم النحر، وخير البقاع عند الله وأحبها إليه مكة.

وذكر أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا لها بالأمن فقال: {رب اجعل هذا بلداً آمناً}؛ فامتنّ الله بذلك فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}. قال القرطبي رحمه الله: إن مكة لم تزل حرماً آمناً من الجبابرة والزلازل وسائر المثلات التي تحل بالبلاد.

وبيّن أن الداخل إلى مسجدها يشعر بأمنها؛ فقال سبحانه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}، حرمها الله منذ خلق السماوات والأرض قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة)، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم معظماً لمكة؛ فقال يوم الحديبية: (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) رواه البخاري.

ومضى إمام وخطيب المسجد النبوي في بيان عظمة وحرمة البلد الحرام بقوله: إن الحيوانات آمنة بأمان الله في العراء، والطيور سابحة في الفضاء، وأشجارها ترفرف بالأمن فلا تقطع، والأموال المفقودة لا تلتقط كسائر البلدان، وأورد قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يُختلى خلاؤها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف) متفق عليه.

وأوضح أن النبي عليه الصلاة والسلام شبّه حرمة الأموال والأعراض والدماء بحرمتها لعلوّ منزلتها عند الله؛ فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) متفق عليه، وزاد أن مَن همّ بسوء فيها عذبه الله؛ فقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

وتابع: وكما أحلّ الله فيها الأمن، تَكَرّم الله على أهلها بالخيرات والثمار، مع أنها وادٍ بين جبلين من غير زرع، وأرضها مظنة للمجاعة؛ فدعا إبراهيم لأهلها أن يرزقوا من الثمرات كما رُزق الله البلدان ذوات الماء والزروع؛ فقال: {وارزق أهله من الثمرات}؛ فأجابه الله فقال: {أولم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدناً}؛ بل ودعا إبراهيم ربه بالبركة في صاعها ومدّها أي في شرابها وطعامها؛ فكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل في المدينة ضِعفي ما جعلت في مكة من البركة) رواه البخاري.

وواصل وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم يقول: سُقِيَ أهلها ماء لا يوجد في الأرض مثله، ويتمنى الناس قطرات منه؛ فماء زمزم مبارك وهو طعام، وهو شفاء من جميع الأسقام؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (زمزم طعام طعم، وشفاء سقم) رواه مسلم، وحلول الرزق فيها والأمن موجبان لعبادة الله وحده، قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْف}، والله يدفع السوء عن أهلها بسبب تعظيمهم البيت وتوحيد الله، قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}، قال ابن كثير رحمه الله: أي يرفع عنهم بسبب تعظيمها السوء.

وأضاف: "إن مكة بلدة مباركة، وخيرها عميم، ومن بركاتها مضاعفة الصلاة فيها، (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) رواه أحمد، وذكر أن الطواف بالبيت عبادة لا يمنع أحد عنه أحداً أي ساعة من ليل أو نهار، مشاعرها مناسك للمسلمين، فرض الله عليهم قصدها وجعله أحد أركان الإسلام، وإلى مسجدها يثاب المسافر إليه، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجده صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) متفق عليه.

وأوضح الشيخ "القاسم" أنه ليس في الأرض بقعة يطاف حولها سوى البيت العتيق، وليس في الدنيا موضع يشرع تقبيله واستلامه غير الحجر الأسود من الكعبة، والركن اليماني منها يُستلم، جعل البيت فيها مثابة للناس وأمناً؛ فإليه يَفِد الخلق على تعاقب الأعوام من كل فجّ عميق، تشتاق له الأرواح وتحنّ إليه النفوس؛ فإن زاروه زاد شوقهم إليه، زاره الأنبياء، فحجّ موسى ويونس ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية، وكأني أنظر إلى يونس ابن متّى على ناقة حمراء وهو يلبي) رواه مسلم.

وأضاف: شرّف الله البيت فأضافه إلى نفسه، وجعله منارة للتوحيد، وأمر بتطهيره مما يضاد ذلك من الأًنام وعبادة الأوثان؛ فقال تعالى {وطهرّ بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود}، قال عليه الصلاة والسلام: (من حجّ هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) متفق عليه.

ولفت إلى أن من عظيم ثواب قاصدي المسجد الحرام، أن الله سبحانه لم يرض لقاصده ثواباً دون الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، وهو قِبلة أهل الأرض جميعاً، يتوجه كل مسلم إلى جهته كل يوم مراراً، قال سبحانه: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"، ومن مات من المسلمين وجه قبره إليه.

وأكد الشيخ "القاسم" أن البيت العتيق من مواضع التوبة والرجوع إلى الله، وأن على العبد أن يقصد المسجد الحرام وهو خاضع ذليل لله للتقرّب إليه سبحانه وحطّ الأوزار؛ مؤكداً وجوب تعظيم بيت الله على العباد، وأن تعظيم ما عظّمه الله من التقوى، وبذلك صلاح المسلمين في دينهم ودنياهم، وأن مَن خدم الحرمين الشريفين من المعتمرين والحجاج والزوار فأجره على الله؛ فكلا المسجدين بناهما نبي، وهما من شعائر الله، قال عز وجل: "إنما أمرت أن أعبدرب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء، وأمرت أن أكون من المسلمين".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org