السعودية.. أدوار تاريخية في قيادة ومساندة قضايا الأمة الإسلامية إلى بر الأمان

جولات القيادة تُثمر مكتسبات عميقة على كل المسارات
السعودية.. أدوار تاريخية في قيادة ومساندة قضايا الأمة الإسلامية إلى بر الأمان

 تدرك المملكة العربية السعودية أبعاد دورها المحوري في تعزيز مكانة العالمين العربي والإسلامي، وأهمية أن تكون "الرياض" على قدر المسؤوليات الملقاة على عاتقها، في توحيد الصف وعلاج الأزمات المستوطنة في نسيج الأمة، وتنسيق الأدوار بين الدول العربية والإسلامية، والعمل على تكامل الفرص بينها؛ للقضاء على الأسباب التي أضعفت كيان الأمة، وأنهكت قواها؛ لذا لم تأتِ التحركات السياسية والاقتصادية التي قام بها قادة المملكة في الأسابيع الأخيرة، محض المصادفة أو مجرد برتوكولات دولية؛ وإنما جاءت وفق رؤية مستقبلية، سعت وخطّطت بحكمة لتقوية الصف العربي والإسلامي، وترسيخ الثوابت وتدعيم المبادئ؛ بما يضمن للأمة أن تواجه التحديات التي تصطدم بها وقد تُعطل مسيرتها.

وكانت جولة خادم الحرمين على ثماني دول آسيوية -الشهر الماضي- خيرَ مثال على تحركات المملكة خلال المرحلة المقبلة، في توسيع دائرة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة، وإبرام الاتفاقات التي تُعزز مكانة المملكة لقيادة الأمتين العربية والإسلامية، والتأكيد لمن يهمه الأمر؛ بأن المملكة منفتحة تماماً على دول العالم، وأنها قادرة على استثمار هذه العلاقات بما يفيد المملكة ودول المنطقة على حد سواء، وأنها لن تتخلى عن هذا الدور الذي أسنده لها التاريخ العريق للمملكة العربية السعودية؛ باعتبارها مهبط الوحي، وتحتضن الحرمين الشريفين.

الإرث الحضاري للمملكة

وأثمرت الجولة الآسيوية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي شملت ماليزيا وإندونيسيا وبروناي واليابان والصين، ومباحثاته مع ملوك ورؤساء تلك الدول والمسؤولين فيها، عن توقيع عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم، التي ستسهم في تقوية وتعزيز العلاقات بين المملكة وتلك البلدان في مختلف المجالات، وكشفت الجولة ما يحظى به خادم الحرمين الشريفين من تقدير رفيع من ملوك ورؤساء تلك الدول، وما تحتله المملكة من مكانة عالية بين دول العالم؛ بفضل قيادتها وحكمتها في معالجة الأمور، كما أكدت الجولة مكانة وتأثير الرياض على الخارطة الدولية؛ مما يعكس ثقلها السياسي والاقتصادي، ومدى تقدير العالم لدورها المؤثر في إحلال السلم والأمن في المنطقة وفي التصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف.

وشددت الجولة على نهج المملكة المعتدل القائم على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف السمحة، والأسس الأصيلة المستمدة من إرثها الحضاري الكبير وركائز علاقاتها وسياستها الخارجية مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وثبات مواقفها تجاه القضايا العربية والإسلامية المصيرية والأحداث الإقليمية والدولية السابقة والمستجدة، وجهودها لنزع فتيل الأزمات والصراعات وإرساء السلم والأمن في المنطقة والعالم، وهذا ما ظهر جلياً في مباحثات خادم الحرمين الشريفين مع ملوك ورؤساء تلك الدول وكبار مسؤوليها، وما شَمِلته من مضامين شَدّد خادم الحرمين الشريفين من خلالها على أهمية تعزيز العلاقات القائمة بين المملكة والبلدان الشقيقة والصديقة؛ بما يضمن استمرارها والدفع بها نحو آفاق أرحب، وبما يخدم المصالح المشتركة ويواكب رؤية المملكة 2030.

وفي الجولة أيضاً، حرص ملوك ورؤساء الدول الآسيوية ومسؤولوها والجامعات فيها على تقليد خادم الحرمين الشريفين أرفعَ الأوسمة، ومنحه درجة الدكتوراه الفخرية؛ وهو ما يعكس ما تُكِنّه الحكومات والشعوب التي شَمِلتها الزيارة من محبة لشخص الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتقديراً لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، وإسهاماته في خدمة الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء، والسلم والاستقرار العالمي، واعتزازاً بعلاقاتها مع المملكة مهبط الوحي ومنطلق السلم العالمي.

القمة العربية وقضايا العرب

وبنفس التوجهات والثوابت السعودية تجاه الأمة، شاركت المملكة في القمة العربية الأخيرة التي أقيمت في مملكة الأردن، وتركزت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على كَمّ الهموم والقضايا العربية والإسلامية، وسعت إلى إيجاد حلول عاجلة لها، من خلال كلمات بسيطة مباشرة، وُجّهت إلى ما ينبغي فعله في المرحلة المقبلة؛ لإعادة الاستقرار إلى الأمة الجريحة، والقضاء على الفوضى العارمة التي أطاحت ببلادها.

وشدد خادم الحرمين في كلمته، على أهمية أن يعيَ العرب أهمية وخطورة المرحلة الراهنة، وضرورة الاتحاد فيما بينهم لمواجهة هذه التحديات العالمية بقوة وإرادة وعزيمة، وأكد -يحفظه الله- أن الأمة العربية قادرة على النهوض من جديد، بعد مراجعة حساباتها، ومعرفة نقاط الضعف، ومن ثم تلافيها، ومعرفة نقاط القوة وتعزيزها، وكان اللافت في كلمة خادم الحرمين الشريفين توجيهه -يحفظه الله- بإعادة هيكلة جامعة الدول العربية، وإصلاحها، وتطويرها، وهي دعوة وجدت إقبالاً كبيراً وسريعاً من الدول العربية، التي استشعرت أهمية أن تكون كلمتهم مسموعة ومؤثرة بين الأمم من خلال الجامعة العربية، التي تحتاج إلى رؤية جديدة، وآلية عمل تُواكب متطلبات المرحلة وتحدياتها.

ولخّصت الكلمة حِزمة المبادئ والثوابت التي قامت عليها السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- تجاه قضايا الأمة العربية؛ بالوقوف بجانب الإخوة والأشقاء، ودعمهم وقت الحاجة، دون التدخل في شؤون الغير؛ مشددة على نهج سياسة السعودية بأنه على رأس القضايا العربية التي تدعمها "القضية الفلسطينية"، التي آثر خادم الحرمين الشريفين أن يبدأ بها خطابه إلى رؤساء وقادة الدول العربية، عندما قال بعبارات مباشرة وصريحة: "يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمرّ بها منطقتنا، عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا، والسعي لإيجاد حل لها على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية".

دفء العلاقة مع أمريكا

ولم تقتصر التحركات السعودية الأخيرة، على الجولة الآسيوية والمشاركة في القمة العربية؛ حيث كان هناك اللقاء الناجح الذي عقده ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأعاد من خلاله الأمير محمد دفء العلاقة بين الرياض وواشنطن بعد فترة من الضبابية التي غلّفت علاقة البلدين، ويؤكد استقبال الرئيس ترامب في البيت الأبيض لولي ولي العهد كأول مسؤول إسلامي وعربي، قوةَ العلاقة بين البلدين ودورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي.

وتناول اللقاء عدة نقاط مهمة؛ أبرزها: التأكيد على تعزيز العلاقات الاستراتيجية السعودية الأمريكية، والعمل جدياً على أن تبقى أقوى من أي وقت مضى، وعكَس اللقاء وجود تطابق لحد كبير في الأهداف ووجهات النظر بين المملكة وأمريكا تجاه القضايا المختلفة، وعلى كل المستويات؛ ومن شأنه أن يساعد على تطور ملحوظ في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.

وقد بدا جلياً التوافق والانسجام الكبير بين دونالد ترامب ومحمد بن سلمان؛ حيث أبدى ترامب حماسه لسماع أفكار وتطلعات المملكة والأمير بكل التفاصيل؛ مما حدا به أن يستدعي عدداً من المسؤولين الأمريكيين للاستماع لما يقوله ولي ولي العهد. وأكد الطرفان ضرورة تعزير الجهود لمكافحة الإرهاب، والسعي إلى إحداث نقلة نوعية وشراكة استراتيجية في هذا الجانب؛ خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة تمويل الجماعات الإرهابية ومكافحة أنشطتهم فكرياً. وأكدت الإدارة الأمريكية حرصها ودعمها لتعزيز جهود المملكة في الجوانب الدفاعية والأمنية، والالتزام بإمدادها بما تحتاج في هذا الجانب.

ميدالية مكافحة الإرهاب

وحَظِيَت جهود ولاة الأمر على الكثير من الإشادة والمديح من الأوساط المحلية والدولية، التي رأت في التحركات السعودية الأخيرة، وتنسيق الأدوار بينها وبين دول المنطقة، أملاً كبيراً في مواجهة موجات الإرهاب، وتجفيف منابعه. ويترجم الإشادات الدولية بجهود ولاة لأمر، حصولُ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على ميدالية "جورج تينت" التي تُقدّمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب، ونظير إسهامات سموه غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين. وقام بتسليم الميدالية لسموه، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية مايكل بومبيو. وأكد ولي العهد في هذه المناسبة أن جميع الأديان السماوية تتبرأ من المعتقدات والأفعال الشيطانية للفئات الإرهابية"؛ مبيناً أن "جميع الآراء الدينية والسياسية والاجتماعية السلبية التي تستخدم الدين كأداة على امتداد التاريخ الإنساني، لا تُعبر مطلقاً عن حقيقة الدين الذي تنتسب إليه، أو تنسب أفعالها له".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org