الطلاق بسبب عدم "تكافؤ النسب".. حالات إنسانية حزينة.. والعادات والأعراف تكسب

الإسلام والثقافة الدينية الواعية يحثان على لم شمل الزوجين وترسيخ دعائم الأسرة
الطلاق بسبب عدم "تكافؤ النسب".. حالات إنسانية حزينة.. والعادات والأعراف تكسب

د. حسن سفر: الخالق دعا للعدل..  والقضاء السعودي عادل لكن بعض الاجتهادات تسيء له في وسائل الإعلام المحلي والدولي

د. عيسى الغيث: التفريق بين الزوجين ليس بسبب عدم تكافؤ النسب بل الخوف من الفتن في المجتمع

الداعية العويد: الرسول الكريم لم يشترط في النسب سوى في الدين والواجب النظر للأصلح وعدم اتباع الهوى

د. هتون الفاسي: الدين الإسلامي جاء ليحارب التعصب القبلي ويوحد القلوب.

د. نورة الصويان: العرف المجتمعي أخذ مكانة أكبر من الحكم الشرعي في بعض جوانب الحياتية

 عادت قضية الطلاق لعدم "تكافؤ النسب" إلى الظهور من جديد على سطح المجتمع،  وباتت تثير العديد من التساؤلات حول أسباب التفريق بين الأسر المستقرة، والأزواج المتوافقين الراضين بحياتهم، وهل للأطراف الأخرى كالأقارب، والقبيلة دور في حدوث الطلاق والتفريق؟ وهل سيكون هناك ضحايا جدد لتلك الإشكاليات الاجتماعية التي لم تغلق ملفاتها حتى الآن؟ ثم لماذا يوافق أهل الفتاة على تزويجها منذ البداية بمن يرونه غير متكافئ معهم؟ ومتى تنتهي تلك العادات "الجاهلية"؟ تساؤلات نحاول الإجابة عليها. 

الخوف من الفتنة

في البداية أكد لـ"سبق" رئيس مركز الوسطية للأبحاث، وقاضي الاستئناف، وعضو مجلس الشورى الشيخ د. عيسى الغيث، أن الحكم بالتفريق بين الزوجين ليس بسبب تكافؤ النسب، وإنما بسبب الخوف من حدوث الفتنة، وبسؤاله عن ما إذا كان الخوف من الفتنة سببًا قويًا لفسخ النكاح، أجاب قائلاً: نعم، ولكني ضده فهو لا يجوز إعماله، والأفضل إهماله.

لم الشمل

ومن جانبه أوضح الخبير في مجمع الفقه الدولي، وأستاذ السياسة الشرعية في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز د. حسن بن محمد سفر، أن الله عز وجل نادى بإقامة العدل بين أفراد المجتمع، وبيّن الشارع وجوب تحقيق الكفاءة في نواحٍ متعددة، فلا يتزوج الفاسق المؤمنة، ولا العكس، حيث قال تعالى في كتابه الكريم "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها"، إذ إن المقصد الرئيسي تكافؤ النسب، والدين، والخلق، والاستقامة، فالمسلم يتزوج المسلمة المحصنة، أما معيار الكفاءة فيكون برضا من له ولاية على الفتاة  للحديث الشريف "لا تنكح المرأة إلا بولي".

وبسؤاله عما إذا كان الولي هو الأخ بسبب رفض الأب زواج ابنته، وهل يجوز للأب تطليقها بحجة تكافؤ النسب، أجاب: إذا عقد عليهما وتم النكاح فأصبح من الصعب تفكيك الأسرة، وضياع الأبناء تحت مسمى تكافؤ النسب، وقال: الأمر يخص كلاً من الزوجين، والأب خارج محيط الأسرة، وتساءل: لماذا فكر الأب في تكافؤ النسب بعد الزواج والدخول بالفتاة؟ أليس من الأحرى أن يكون هذا قبل الزواج؟

وتابع أستاذ الشريعة: الدين الإسلامي ينادي بالحفاظ على الأسرة، ولم شملها، منادياً بضرورة وجود ثقافة دينية واعية، مؤكدًا على أن القضاء عادل بيد أن هناك اجتهادات، ويمكن للقاضي أن يتراجع إذا شعر بخطأ في حكمه، مستشهدًا برسالة لسيدنا عمر قال فيها "لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس تراجعت فيه رشدا فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي".

لافتاً أن القضاء في الإسلام مبني على الرحمة والمصلحة، معربًا عن أسفه من وجود بعض الصور التي تسيء إلى القضاء السعودي عبر وسائل الإعلام المحلي والعالمي.

وذكر لـ"سبق" الحديث الشريف جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ.

وأوضح سفر أنه ينبغي للأب التحري لمولاته ما يليق بها ديناً وخلقًا، واستقامة قبل الزواج، أما إذا أحل الابن محل الأب بحكم  قضائي من الأفضل أن يعرض على أبيه أمر الزواج فإن وافق كان بها، وإن أصر على الرفض يمضي الابن، منوهاً على أن الشريعة الإسلامية تحمل المحبة والود بين الزوجين وعدم تشتيت شمل الأسرة، وتوخي المصلحة دائماً، حيث قال ابن القيم: "فأين ما تمت المصلحة تم شرع الله".

ووجه رسالة لكل مسئول قائلاً: من يتضح له الحق، ويعرف أن أمامه حساب عسير فالأولى له تصحيح الخطأ والاعتراف به ولوم نفسه.

التعصب القبلي

من جهتها أوضحت الكاتبة د. هتون الفاسي أن الدين الإسلامي جاء ليحارب القبلية، وليس من المنطقي بعد 14 قرناً أن ننقد ما قام عليه الإسلام ونرجع إلى التعصب القبلي حيث يعد مخالفة شرعية.

  موضحة أن قرار قاضي "العيينة" بالتفريق بين الزوجين  فيه استهانة بالمرأة وبحقها في الزواج، ويجعل أسرتها هي من تتحكم في ماضي وحاضر المرأة، مؤكدة أن المرأة مسؤولة أن تختار شريك حياتها، وهي التي تحاسب، والزواج، والطلاق أمران يرجعان لها ولزوجها وليس لأسرتها أي حق في تطليق الفتاة رغمًا عنها، مستشهدة بقصة بنات سيدنا شعيب واختيارهن لسيدنا موسى عليه السلام، واختيار السيدة خديجة لنبينا محمد عليه أفضل السلام.

العرف المجتمعي

أما أستاذة الاجتماع د. نورة الصويان، قالت لـ"سبق":  الزواج، والطلاق يفترض أن يكون تقرير المصير فيهما بيد الطرفين، بيد أن المجتمعات الخليجية تعتبره قرارًا أسرياً، وليس فردياً، ومن هنا تأتي الإشكالية.

لافتة أن العرف المجتمعي له دور كبير في تسيير الأمور الحياتية، حيث أخذ مكانة أكبر من الحكم الشرعي، ولهذا السبب وجدت مثل هذه القضايا "تكافؤ النسب" التي لا تمت للإسلام نهائيًا.

ولفتت الصويان إلى أن التقاليد المجتمعية تأخذ سنوات حتى تتغير وتتطور، موضحة أن المجتمع السعودي تطور بشكل ملموس في الأمور المادية، أما على مستوى الثقافة والأفكار فلا زلنا نعاني من العقليات القبلية ونحتاج عقوداً حتى تتغير. 

تكرار الأخطاء 

وأوضحت أن للقضاء دوراً كبيراً في تعجيل الثقافة المجتمعية في بعض القضايا، متسائلة: هل يحكم القضاء بناءً على العرف أم الشريعة؟ وهذا يجيب عنه مختصون، لافتة أنه منذ سنوات عدة ظهرت على الساحة قضية تكافؤ النسب، واشتهرت إعلامياً "قضية منصور وفاطمة"، والتي حكم بالتفريق بينهما بسبب عدم تكافؤ النسب، وكان هناك ثلاثة من الأطفال ضحايا هذا الحكم، وعانى الطرفان من الحكم طيلة ثلاث سنوات إلى أن تم استئناف الحكم ورجوعهما إلى عش الزوجية، متسائلة ألا يفترض عدم تكرار الأخطاء؟ موجهة تساؤلها إلى وزارة العدل، وتابعت: هل هناك تدريب وتأهيل للقضاة في النواحي الاجتماعية والتربوية والنفسية؟ 

وبسؤالها حول الحلول لتغيير النظرة المجتمعية بالنسبة لقضايا تكافؤ النسب؟ أجابت: ما زال التفكير القبلي مسيطراً على الكثير من الأسر والتباهي بالقبيلة، وعلينا أن نركز على دور رجال الدين في تغيير الثقافة المجتمعية، فوزارة "الشؤون الإسلامية" لها  دور كبير في توظيف خطب الجمعة مثلاً  لمثل هذه القضايا المجتمعية، كما أن التعامل القضائي في مثل هذه القضايا له دور كبير في التنوير والإرشاد بالرأي الشرعي.

الدين والخلق

فيما أكد الداعية الإسلامي عصام عبدالعزيز العويد أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام لم يشترط في النسب سوى الدين، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"، أي التصقت بالأرض ولم تستفد شيئاً فصاحبة المال والحسب والجمال قد تتكبر عليك،  كذلك اشترط في الرجل حيث قال عليه السلام "إذا جاءكم من ترضون دينه  وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" فلم يتحدث عن النسب، وقد جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: "تقدم إلي أبو سفيان ومعاوية، فقال عليه الصلاة السلام أما أبو سفيان فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال عنده، ولكن عليك بأسامة بن زيد فقالت أسامة بن زيد مولى، فكرر النبي عليك بأسامة بن زيد ثلاث مرات، فتزوجته فأصبح العيش خير العيش بينهما.

وقال العويد: لقد تزوج رسول الله ماريا القبطية المصرية وتزوج أمنا صفيه، وكانت يهودية، وأعتقها وأسلمت، وهذا دلالة على عدم اشتراط النسب، مضيفًا أن هناك من يتزوج من اللقيطة وليس لها ذنب في ذلك لقوله تعالى "ولا تزروا وازرة وزر أخرى". 

وأضح أنه لا يجوز شرعاً لمن تزوج بأقل من قبيلته، الفخر في الحسب، والطعن في النسب  لنهي الرسول عليه الصلاة والسلام عنه،  معتبراً إياها من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام  وحرمها.

وبسؤاله حول هل  يجوز للقاضي فسخ النكاح بعد الزواج بسبب عدم تكافؤ النسب؟ أجاب قائلا: الواجب على القاضي أن ينظر إلى الأصلح للطرفين ولا يتبع الهوى ولا الشفاعة السيئة، إلا إذا تحققت مفسدة من الزواج. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org