العالم برتقالي!

العالم برتقالي!

يحتفل العالم في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام باليوم الدولي (العالمي) للقضاء على العنف ضد المرأة، ولمدة (16) يومًا (حتى 10 كانون الأول/ ديسمبر)؛ إذ تقام في هذه الأيام أنشطة وفعاليات، تهدف إلى رفع الوعي وتعزيز الجهود المتخذة في هذا السياق. وتدعو حملة الأمين العام "حملة اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة" إلى استخدام اللون البرتقالي شعارًا لتلك الأنشطة والفعاليات، وهو - بحسب الحملة – لون يرمز إلى مستقبل أكثر إشراقًا دون عنف موجَّه ضد النساء والفتيات. وتواكب أجهزة وآليات الأمم المتحدة ذات الصلة هذه الأيام (الستة عشر) بمؤتمرات وندوات وأنشطة توعوية متنوعة، وتساندها في ذلك العديد من منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ووسائل الإعلام، والأفراد المهتمين. وتفاعلاً مع هذه الاحتفالية ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، السيد/ بان كي مون، أن العنف ضد المرأة هو حقًّا حياة أو موت؛ إذ إن 70 % من النساء في بعض البلدان تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من جانب شريك حميم! وفي بعض البلدان تسببت أعمال العنف من قِبل الشريك الحميم في مقتل 40 إلى 70 % من الضحايا الإناث.

لا شك أن العنف ضد المرأة ظاهرة تدعو لهذا الاهتمام الكبير، وإن اختلفنا مع بعض الممارسات التي تواكب هذه الاحتفالية، والتي تنطلق من قيم ومفاهيم تخرج عن حيز القواسم المشتركة للمجتمعات؛ فهو من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي تتطلب مضاعفة الجهود، واليقظة المستمرة للقضاء عليه، ولاسيما أنه يحدث – غالبًا – في مأمن من المساءلة؛ ما يجعل إفلات الجاني من العقاب أمرًا متاحًا.

حرَّمت الشريعة الإسلامية ظلم المرأة وانتهاك حقوقها، بما في ذلك ممارسة العنف ضدها. وقد دلت النصوص الشرعية على وجوب حماية النساء، وحفظ حقوقهن، والإحسان إليهن، بل إنها جعلت الإحسان إليهن ميدانًا للتنافس لعموم قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
ومن هذا المنطلق، فقد بُذلت جهود كبيرة، تهدف إلى القضاء على العنف ضد المرأة في السعودية من قِبل الجهات الحكومية المختصة. وقد تُوجت هذه الجهود بصدور نظام الحماية من الإيذاء بالمرسوم الملكي رقم م/ 52 وتاريخ 15/ 11/ 1434هـ، الذي جرم الإيذاء، ومنه العنف ضد المرأة، ورتب عليه العقوبات التي لم يقيد القضاة بحدها الأعلى المنصوص عليه (السجن لمدة لا تزيد على سنة، والغرامة بما لا يزيد على خمسين ألف ريال)، وفقًا لدلالة المادة الـ(13) من النظام؛ إذ استُهلت بعبارة "دون الإخلال بأي عقوبة مقررة شرعًا أو نظاما.."؛ إذ قد يحكم على المدان بارتكاب جريمة الإيذاء بعقوبات مقررة شرعًا أو نظامًا أشد من العقوبات المنصوص عليها في النظام. كما تضمن النظام أحكامًا تصب في الجانب الوقائي من الإيذاء، وأخرى تتعلق بإيواء الضحايا وتأهيلهم، وتقديم المساعدة لهم. ويتضافر مع هذا النظام نظام حماية الطفل الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 14 وتاريخ 3/ 2/ 1436هـ، الذي يعالج العنف ضد الفتيات دون سن (الثامنة عشرة) في إطار حماية الطفل. وقد تضمن النظام في مادته الـ(23) أن تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في مخالفات أحكام النظام، وإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة.

وإضافة إلى الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية ذات العلاقة، فقد تم تشغيل مركز تلقي البلاغات في تاريخ 20 مارس 2016م، بكادر نسائي مكون من (70) موظفة، يعملن على مدار الـ24 ساعة؛ لاستقبال جميع بلاغات العنف الأسري من خلال رقم موحد (1919)، وتكوين فرق حماية في جميع المناطق والمحافظات لتلقي البلاغات. كما يقوم برنامج الأمان الأسري بدور كبير في هذا الجانب؛ إذ تم إطلاق خط مساندة الطفل الذي أُنشئ في 2008م بالتعاون مع (14) جهة حكومية، وهو خط هاتفي مجاني وموحد (116111)، خُصص لمساندة ودعم الأطفال دون سن الثامنة عشرة، إضافة إلى السجل الوطني الذي يرصد حالات إهمال إساءة معاملة الأطفال.

خلاصة القول: أرى أننا لسنا بحاجة إلى أُطر نظامية ومؤسسية بقدر حاجتنا لتكثيف حملات إذكاء الوعي الرسمية والمجتمعية؛ لتفكيك القوالب النمطية السلبية التي تجعل المرأة عرضة للعنف في أحسن الأحوال! وكذلك قيام مؤسسات المجتمع المدني بدورها الحيوي، ووفقًا لاختصاصاتها؛ لتساند الجهات الحكومية المعنية في الحرب على العنف ضد المرأة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org