تنتشر لدينا في مجتمعاتنا العربية على الأخص قضية نبش ماضي المسؤول عندما يقول كلمة لا تعجب الناس، أو عندما يُصدر قرارًا على غير مزاجهم، وكأنهم يريدون الاقتصاص منه؛ لأنه جاء مخالفًا لما يريدون، ومن ثم يشتعل التويتر والواتس وغيرهما من وسائل التواصل بذكر ما يعتقدون أنها فضائح المسؤول، وعدم أهليته لمكانه الحالي، مطالبين بتغييره واستبداله؛ لأنه غير مؤهَّل في نظرهم!
ولو افترضنا جدلاً أننا طاوعناهم في كل وزير لأصبح نصف شعبنا وزراء سابقين!
الحكم على الأشخاص يجب ألا يتعرض لماضيهم مهما كان من سلبيات أو إيجابيات؛ لأن السلبيات السابقة لا تعني فشله في مهمته، وكذلك الإيجابيات لا تعني بالضرورة نجاحه.
انطلاق مثل هذه الحملات العنيفة على بعض المسؤولين يشارك فيها أغلب الناس، وجُلُّهم من البسطاء بحُسن نية وطيبة.. ولكن في وضعنا الحالي، وما نتعرض له من مؤامرات خارجية، يثير الأمر الشكوك في تدخلات أيدٍ خفية، وإن كانت تعني في ظاهرها المسؤول وعدم كفاءته، أو الأوامر وعدم مناسبتها.. إلا أنها تعني أمرًا آخر، يتعلق بعدم قدرة الدولة على اختيار الأكفاء، وإثارة البلبلة، وتهييج الرأي العام في كل مناسبة وكل أوامر تصدر؛ والدليل على ذلك أن أغلب القرارات تأخذ ردود فعل عنيفة، لا تتناسب أحيانًا مع نوعية القرار، ومن ثم تأتي موجة أخرى أيضًا، نشارك فيها بحُسن نية، مفادها أن هذا الوزير ستتم إقالته، وذاك القرار سيتم إلغاؤه بسبب ردة الفعل الشعبية، وكأن هذه الأيدي الخفية تهيئ المجتمع لما هو أكبر من ذلك ــ وقانا الله الفتن ــ.
حديثي هذا لا يلتمس العذر لبعض أحاديث المسؤولين غير الموفَّقة؛ ربما بسبب رهبة الإعلام، الذي يُعتبر بعبعًا مخيفًا لكل مسؤول، بالرغم من أن هذا ليس عذرًا لهم؛ فبإمكانهم تعيين متحدثين يجيدون لباقة الكلام، واختيار الجُمل المناسبة التي لا تهيّج الناس وتستثيرهم، وبإمكانهم أخذ دورات في فن الإلقاء ومخاطبة الجمهور.
فن الكلام له سِحْر خاص، وبخاصة عندما يصدر من القلب بكل عفوية؛ ليصل إلى القلوب مباشرة، وتتقبلها بكل ترحاب وراحة واطمئنان.. جميعنا نتذكر أحاديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ــ حفظه الله ــ وكلماته الرائعة الأبوية التي تصدر من قلب حنون، يحمل المحبة لأبناء شعبه، وحرصه عليهم، والسهر على راحتهم، وتتبُّع أحوالهم في كل صغيرة وكبيرة في معاملة لا يتقنها إلا القادة العظماء. وأيضًا نتذكر كلمات سمو الشيخ زايد ــ رحمه الله ــ.
كلمات هؤلاء القادة هي صمام الأمان الذي نعتمد عليه بعد الله في خضم بحرنا المتلاطم المليء بالأشواك؛ فنحن نحث الخطى على توجيهاتهم ونصائحهم التي تعني لنا الكثير، بدلاً من فضائح تويتر ومَن يقف خلفها.