انكسرت الهيمنة خلف الأبواب المغلقة.. وطهران الخاسر الأكبر

هذه حقيقة تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني عن مصير سوريا
انكسرت الهيمنة خلف الأبواب المغلقة.. وطهران الخاسر الأكبر

 قبل أربعة أيام، وتحديداً يوم الخميس الماضي، قال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد جعفري، إن "إيران هي من تقرر مصير سوريا، كما أن على الدول الكبرى أن تتفاوض مع إيران لتحديد مصير دول المنطقة بما فيها سوريا، على حد تعبيره، وهو الأمر الذي يثبت زيفه بالوقائع، وكذبه على أرض الواقع، وتفضحه شكل علاقة إيران بروسيا؛ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في مقابل ما يجرى بين واشنطن وموسكو في الأبواب المغلقة.

وعن هذه التصريحات المبالغ فيها، بحثت "سبق" عن توقيت هذا الإعلان والخلفيات الحقيقية خلف هذه التصريحات التي لا تعكس الواقع الحقيقي على الأرض؛ حيث كان لا بد أولاً من النظر إلى حقيقة التحالف غير المريح بين طهران وموسكو، هل هو تحالف حقيقي؟

تحالف ضعيف

 تقول مجلة "ذي نيوشينال إنترست" الأمريكية، إن هناك قيوداً وتعقيدات تشوب العلاقات الروسية الإيرانية أكثر مما كان يُعتقد، وأكدت المجلة أن التحالف بين الدولتين أضعف مما قد يظن البعض، وأن موسكو تتخذ من طهران أداة لتحقيق مصالحها الدولية.

هيمنة أمريكا!

وبحسب المقال الذي اشترك فيه الكاتب آري هيزتين والكاتبة فيرا ميتلين شابير قالا إن هناك اختلافات في المصالح بين روسيا وإيران في العديد من القضايا المشتركة بين الطرفين، مشيرين إلى أن فكرة التحالف الروسي الإيراني مبنية على مصالح رئيسية مشتركة أبرزها الحد من هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في فترة ما بعد الحرب الباردة.

قيود واختلافات

كما أن روسيا تهدف إلى استغلال الفرص الاقتصادية لدى طهران بعد الاتفاقية النووية، ويستدرك الكاتبان بالقول إنه على الرغم من كل هذا التقارب بين روسيا وإيران، فإن النظر عن قرب لهذا التحالف المفترض بين البلدين يشير إلى أن العلاقة بينهما تشوبها قيود واختلافات.

أداة في التكتيك

وأوضحا أن روسيا تهدف إلى تحقيق التوازن مع الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وتسعى لاعتراف أمريكي بمصالحها، وأن إيران هي مجرد أداة في هذا التكتيك، وأنه عندما تتحسن العلاقات بين روسيا وأمريكا، فإن روسيا ستخفض من سعيها لتشكيل تحالف مناهض لأمريكا، وهو ما يعني أن تحالف موسكو مع طهران يتضاءل.

ليست شريكاً مثالياً

وأشار الكاتبان إلى أنه رغم الحملات العسكرية الروسية والإيرانية في سوريا والتي تجري بالنيابة عن نظام "الأسد"، فإن لدى البلدين أهدافاً مختلفة فروسيا مهتمة بمنع سقوط نظام "الأسد"، وبالحفاظ على دولة عميلة في المنطقة، أما إيران فمهتمة بأن تبسط نفوذها الكامل على سوريا، ونوها إلى أنه في ضوء الآراء المتباينة بين طهران وموسكو على مستقبل سوريا والاستراتيجيات المختلفة في الحرب، فإن من الواضح أن الروس لا يرون في إيران شريكاً مثالياً في سوريا.

توسع الخلافات

وأضاف الكاتبان أنه يُحتمل أن تصبح خلافات روسيا وإيران بشأن سوريا أكثر وضوحاً؛ إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في البلاد وخاصة عندما يُجبر البلدان روسيا وإيران على اتخاذ قرارات ملموسة بشأن مستقبل سوريا، وأوضحا أن التعاون الروسي مع إيران بشأن الطموح النووي الإيراني كان محدوداً، وأن موسكو تؤكد أنها تعارض السماح لإيران بتحقيق قدرات نووية عسكرية، وأنها تعاونت مع الغرب في المفاوضات بشأن نووي إيران، وأشارا إلى أنه بعد أن تم رفع العقوبات عن إيران فإن التنافس بينهما سيزداد خاصة في مجال تصدير النفط والغاز.

علاقات بين متنافسين!

ونشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية تقريراً مشابهاً عن العلاقات بين موسكو وطهران ووصفتها بأنها لا تعدو كونها علاقات عملية ولا تعتبر تحالفًا استراتيجياً؛ بل شكلًا من أشكال التعاون العملي بين منافسين محتملين، وتضيف المجلة في تقريرها من الناحية الاقتصادية فإن إيران مجرد شريك تجاري صغير لروسيا، وبين عامي 1996 و 2008 لم يتجاوز حجم التجارة الدولية الإيرانية من روسيا 0.8 %.

وفي الأشهر الستة الأولى من العام 2016 كانت إيران الشريك الاقتصادي الـ 19 من حيث الحجم التجاري للصادرات الروسية غير الأساسية، وخلال هذه الفترة بلغ حجم التجارة المتبادلة بينهما 856 مليون دولار فقط، وهو ما يمثل زيادة 71% من قيمة التجارة المتبادلة في الأشهر الستة الأولى من العام 2015.

تنافس في الطاقة

في المقابل، تعتبر روسيا وإيران متنافستيْن في سوق الطاقة العالمي، وعائدات النفط والغاز ضرورية لميزانيات كلا البلدين، وبالتالي فإنه ليس من الغريب فشل روسيا وإيران لسنوات عديدة في الاتفاق على تقسيم موارد بحر قزوين وما زال الخلاف بينهما مستعراً.

غدر الصواريخ!

وأشارت المجلة إلى صفقة الصواريخ من طراز S-300؛ حيث كانت الاتهامات الإيرانية لسلوك روسيا الغادر مدوّية، لاسيما بعد أن جمّدت روسيا صفقة الصواريخ من طراز S-300 وكان تسليم النظام الصاروخي جزءًا من عقد بـ 800 مليون دولار، تم توقيعه في العام 2007 لكن الكرملين كان متردداً في إتمام الصفقة وفي العام 2010 علّقت التسليم، وتمسكت روسيا بقرارها حتى بعد مواجهة دعوة إيران القضائية اللاحقة، ومع ذلك عندما تم رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران أجبر الكرملين أن يعلن أنه سوف يستكمل الصفقة وفي العام 2016 قالت إيران إنها تلقت الدفعة الأولى من أنظمة الصواريخ.

بيع جلد الدب

ويضيف التقرير: "في وقت سابق من هذا العام أعلنت وسائل الإعلام الرسمية الروسية عن صفقة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار مع إيران، ويظل مصير الصفقة غير مؤكد والإيرانيون معروفون بجذب شركائهم بوعود جوفاء، والروس أيضًا على قدم المساواة، إذ يميلون لبيع جلد الدب قبل اصطياده، على حد وصف التقرير.

"همدان" والهشاشة

وحول خلاف قاعدة همدان يؤكد التقرير أن حادث استخدام روسيا لقاعدة همدان الجوية الإيرانية، كشف مدى هشاشة هذا التعاون في الواقع بين البلدين، ففي البداية كشف الكرملين هذا الترتيب السري من أجل احتياجاته الدعائية المحلية والمفاخرة للجمهور بالإنجاز الدولي، بينما تسبب هذا الكشف بفضيحة كبرى في البرلمان الإيراني الذي أجبر القيادة الإيرانية على التراجع عن الصفقة وطرد الروس.

حقيقة تصريحات قائد الحرس

وعودة إلى تصريحات قائد الحرس الثوري حول سيطرته على الملف السوري، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريراً للخبير في القضايا الإيرانية أمير طاهري، كشف فيه عن قضايا مهمة للنظر فيها؛ حيث قال: "بعد أكثر من عام من التدخل الروسي أوضح الرئيس فلاديمير بوتين أنه إذا كان هناك قوى مسؤولة عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط فهي روسيا لا إيران"، وأضاف: "وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي" لقد أقنعنا شركاءنا الأمريكيين بالسماح لإيران بالمشاركة في مؤتمر لوزان إلى جانب دول إقليمية أخرى"، في إشارة إلى تجاهل طهران في الاجتماعات.

خسائر المستنقع!

وحول تفرّد موسكو بالملف السوري أوضح الكاتب بالقول: "وليس سليماني هو المسؤول البارز الوحيد في غرفة التخطيط السوري الذي يتم تهميشه، أيضاً فقدَ حسين أمير عبد اللهيان الدبلوماسي رفيع المستوى المسؤول عن الشأن السوري وظيفته مع زيادة اعتماد المرشد الأعلى على موسكو في العثور على مخرج من المستنقع السوري والحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الإيرانية هناك".

الأبواب المغلقة

وزاد قائلاً: "في ظل التطور الطارئ الجديد على الملف السوري يقوم لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري بكل العمل اللازم وراء الأبواب المغلقة، ويرد المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني الجنرال رحيم يحيى صفوي على هذه الاجتماعات المغلقة بالقول: "يجب أن نكون يقظين، يجب أن نتوخى الحرص والحذر حتى لا تحسم روسيا مشكلاتها مع أمريكا على حسابنا".

فقد الهيمنة للأبد

وبعد عرض تقارير الصحف والمجلات الأمريكية، وما يقوله الخبراء خارج المنطقة وداخلها، يبدو من المنطقي فهم أن الثورة السورية كسرت هيمنة طهران المطلقة على القرار السوري للأبد، كما أن تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني بهيمنة طهران على الملف السوري هي للاستهلاك المحلي تماماً، ولربما لإيصال رسالة لموسكو بعد تفردها بكامل الملف السوري، وعاجلاً أو آجلاً سيتم التوصل إلى حل سياسي واضح في حده الأدنى، ولا تختلف عليه موسكو وهو عودة الحكم في سوريا إلى الأكثرية التي ذاقت ويلات الحرب لسنوات طويلة، والذين لن ينسوا جرائم طهران المروعة في حق ثورتهم طوال تلك السنوات المريرة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org