"بيع الأشقاء".. حكاية تمرد قطر على واقعها بدأ بالتمويل وانتهى بالمقاطعة

تظن أن مصالحها في تقوية العلاقة بتل أبيب وطهران على حساب البيت الخليجي
"بيع الأشقاء".. حكاية تمرد قطر على واقعها بدأ بالتمويل وانتهى بالمقاطعة

تُصر دولة قطر بتجاوزاتها الخطوط الحمراء مع جيرانها، على خسارة أشقائها من دول مجلس التعاون والدول العربية عن عمد، مقابل إرضاء إيران والجماعات الإرهابية، في مسلك يؤكد رغبة الدوحة مخالفة التيار العام الخليجي، وفرض حالة من الضبابية والشكوك على موقفها كدولة عربية وإسلامية، يفترض أن تصطف مع دول المنطقة، لمواجهة التحديات المشتركة أمامهم؛ ولكنها بدلاً من ذلك، رأت أن تشق الوحدة الخليجية العربية، وتتحالف مع أعداء الأمة في السر والعلن.

المصير المشترك

وأصاب الموقفُ القطري العديدَ من المحللين بالدهشة والحيرة؛ إذ تساءلوا عن نوع المكاسب التي تجنيها الدوحة من وراء التغريد خارج السرب الخليجي والعربي في هذا التوقيت الحرج من تاريخ المنطقة، والوقوف ضد دول عربية وإسلامية شقيقة، والسعي إلى إسقاط أنظمتها، وإحداث الفتن فيها؛ في الوقت نفسه تعزز التحالف مع إيران وإسرائيل والجماعات الإرهابية. وقالوا: إن التوجه القطري لا يوجد ما يبرره على أرض الواقع؛ سوى أن الدوحة تتمرد على واقعها كدولة خيلجية صغيرة لا حول لها ولا قوة، وتريد أن تكون دولة مؤثرة بأي ثمن، وتشارك في رسم مصير شعوب المنطقة، وهي رغبة قديمة لدى حكام الدوحة لا يريدون أن يتخلوا عنها، ولو كان الثمن التضحية بصلات القربى والمصير المشترك مع دول الجوار.

ويكشف تصريح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لوكالة الأنباء الرسمية في بلاده، مع بداية الأزمة، عن قمة التناقض في سياسة الدوحة، عندما وجّه انتقادات إلى دول شقيقة؛ فيما أفاض في الوقت نفسه بمدح دول معادية للمنطقة؛ حيث قال: إنه "ليس من الحكمة معاداة إيران؛ باعتبارها دولة إسلامية لا تشكل أي خطر على جيرانها"؛ مؤكداً أن "علاقة الدوحة مع طهران جيدة". وأعلن تميم أن "علاقة بلاده مع تل أبيب ممتازة وتشهد تطوراً"، وألقى في الوقت نفسه باللائمة على دول وهي البحرين والإمارات ومصر، ودعاها إلى مراجعة نفسها في توجيه الانتقادات إلى الدوحة بأنها تساند الإرهاب، ليس هذا فحسب؛ وإنما أكد تميم خلال الاتصال الأخير بحسن روحاني رئيس إيران "أن علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عريقة وتاريخية ووثيقة، ونريد تعزيز هذه العلاقات أكثر مما مضى".

وتدرك قطر حجم الكراهية الذي تُكِنّه إيران لدول الخليج قاطبة بما فيها الدوحة، وتعلم حجم الأطماع والأحقاد لدى حكام طهران لكل ما هو عربي خليجي سني، وبرغم ذلك تُصِرّ على أن تعزز علاقاتها مع طهران على الملأ، ضاربة بالمصالح والدعوات العربية والخليجية عرض الحائط؛ بالتخلي عن تلك العلاقة المشكوك في نوياها، ولعل آخرها كان الدعوة التي وجّهتها البحرين على لسان وزير خارجيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بالابتعاد عن إيران، ووقف دعمها للمنظمات الإرهابية لنزع فتيل التوتر وإنهاء الخلاف مع الدوحة وأشقائها العرب بالقول: "الشروط واضحة، وكل مَن يقرأ المشهد يعرف هذه الشروط. كان هناك صبر كبير على خروج قطر عن المسار الواحد الذي تسير عليه دول مجلس التعاون، وعلى قطر أن تصحح هذا المسار تصحيحاً واضحاً، وعليها أن تعود لكل ما تَعَهّدت به من قبل، وكل ما يتطلب منها العودة العلاقات".

للصبر حدود

الصبر الذي تَحَدّث عنه وزير الخارجية البحريني، عمره سنوات عديدة مضت؛ في إشارة جلية إلى أن دول الخليج قد فاض بها الكيل من تجاوزات قطر، وكان آخر العلاج لديها "الكي" بقطع العلاقات مع الدوحة؛ ففي عام 1995م بذلت المملكة العربية السعودية وأشقاؤها جهوداً مضنية ومتواصلة لحث السلطات في الدوحة على الالتزام بتعهداتها، والتقيد بالاتفاقيات؛ إلا أن حكام الدوحة دأبوا على نكث التزاماتهم الدولية، وخرق الاتفاقات التي وقّعوها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية.

السر والعلن

ويكشف التاريخ القطري ميل الدوحة إلى التعامل مع قضايا المنطقة بازدواجية واضحة تثير الشكوك؛ فهي في العلن توافق على القرارات والاتفاقات مع دول الخليج وتوقّع عليها؛ بينما تفعل العكس في السر، تعلن أنها تحارب الإرهاب، وتنضم في تحالفات الدول الكبرى التي تحارب داعش والقاعدة؛ بينما في واقع الأمر تتحالف معها وتدعمها، وتسخّر وسائل إعلامها لنشر أخبارها ونقل تصاريح قادتها ورسائلهم إلى العالم.. وكان المثال الأبرز على خرق قطر للمواثيق والاتفاقيات التي توقّع عليها؛ البيانُ المشترك لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي عقب اجتماعهم في العاصمة السعودية الرياض عام 2014.

الصبر الخليجي حتماً سيكون له حدود، والعقوبات المفروضة اليوم على قطر قد تزداد حدة غداً، إذا لم يكن هناك تجاوب سريع من قادتها الذي أخطأوا في حق أمتهم، ولزاماً عليهم إصلاح الوضع قبل تفاقمه؛ خاصة أن المرحلة المقبلة لا تحتمل المزيد من الصبر؛ في ظل اقتراب الأخطار من المنطقة والتربص بمقدراتها ومكتسباتها.

مهلة الـ10 أيام تنتهي

وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قدّمت قائمة من الطلبات تضم 13 طلباً، وحددت 10 أيام من تاريخ تقديمها، وإلا تُعَد ملغاة؛ من بينها: إغلاق قنوات الجزيرة، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين قطر وإيران، وتسليم الإرهابيين والمطلوبين وتجميد أرصدتهم، وإيقاف أشكال التمويل القطري كافة لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية أو متطرفة، وكذا المدرجون على قوائم الإرهاب في الدول الأربع، ووقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية.. وغيرها من المتطلبات.

وانتهت المهلة دون الرد عليها من قِبَل الحكومة القطرية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org