بين العنجهية الروسية والتلون الأمريكي.. مَن يقتل أطفال سوريا؟

دعم للإرهاب وقتل للأبرياء وتغليب للمصالح ونقض لكل الأعراف الإنسانية
بين العنجهية الروسية والتلون الأمريكي.. مَن يقتل أطفال سوريا؟

(مدخل: الحقيقة في سوريا تُكتب يومياً بدماء الأبرياء، وصرخات الأطفال، وأنين الجرحى، ونياح الباكيات.. في سوريا غاب الضمير العالمي وخسرت الإنسانية تمدنها، وبقي الوضع عاراً في زمن يتشدق بالحرية والديمقراطية ومفاهيم الإنسانية الزائفة).  

تعمل إحدى شركات الألعاب الإلكترونية الروسية على تصميم لعبة بعنوان "الحرب السورية"، وبرغم أن اللعبة حتى منتصف العام الحالي قيد التصميم؛ فإنها صُنفت ضمن أفضل لعبة منتظرة ضمن قائمة أكثر 100 لعبة منتظرة حسب تصنيف "ستيم غرينلايت".

ووفقاً لصحيفة "ميرور" البريطانية؛ فإن اللعبة تجسد حالة الحرب، وكيف أن الهدف هو ضرب تنظيم داعش؛ في مواصلة للكذب السياسي في الواقع، كما انتقدتها أيضاً بعض المنظمات الخيرية بأنها بمثابة "هدية لداعش". هذا فيما تؤكد الوقائع على الأرض أن ما تقوم به روسيا والنظام السوري هو الاستمرار في قتل الأبرياء.

بين روسيا وأمريكا:

وما بين التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين ونظرائهم الروس عن ضرورة تعاون وتنسيق الجهود لعمل عسكري أو سياسي موحد ضد تنظيم داعش؛ إلا أن التناقضات ما تلبث أن تظهر على الواقع البغيض؛ فيما يتبادل الطرفان القيام بدوريْ الشرطي الشرير والطيب.

 وعلى سبيل المثال ما نقلته وكالة "إنترفاكس الروسية" عن أوليج سيرومولوتوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله: إن روسيا والولايات المتحدة تبحثان "التنسيق العسكري الملموس ضد داعش"؛ إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية سرعان ما ردّت على لسان المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك الذي شدد على عدم وجود تنسيق عسكري على الأرض مع الجيش الروسي؛ مشيراً إلى أن مستوى التعاون ينحصر حول مذكرة التفاهم المشتركة بشأن سلامة الطلعات الجوية واتفاق وقف الأعمال القتالية.

حقيقة التعاون:

ومن المعروف أن الطرفين يتجنبان الصدام المباشر؛ بخلاف حتمية الاستنتاج بوجود اتفاقات تحت الطاولة، وبحسب تطور الأحداث أصبح المراقبون يعتقدون أنه لا صحة لبحث الطرفين عن حلول حاسمة للقضاء على داعش؛ حيث لا يعاني البلدان من العمليات إرهابية منه في عمق البلدين مثل فرنسا على سبيل المثال.

ويلمح الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "توني بدران" أن إصرار الجانب الروسي على وجود تعاون عسكري مع الولايات المتحدة هدفه الحقيقي هو الحصول على معلومات استخباراتية أمريكية بشأن الجماعات التي تعتبرها روسيا إرهابية في سوريا، وفي مقدمتها "جبهة النصرة".

اتهامات متبادلة:

التضارب مستمر؛ يقول سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي: إنه لا يجوز الحديث عن شراكة حقيقية بين روسيا وأمريكا بشأن الأزمة السورية؛ لأن واشنطن تطرح دائماً مطالب جديدة. ومضيفاً: الشركاء الأمريكيون يسعون عادة إلى تحصيل التسهيلات والمزايا".

الاتهامات تحصل أيضاً عند انقباضات الحوار السياسي ليكشف عمق الفجوة؛ ففي فبراير الماضي خرج جون كيري وزير الخارجية الأمريكي على شبكة سي إن إن"؛ ليؤكد: "قصف القوات الروسية يقتل نساء وأطفالاً بأعداد كبيرة في سوريا. القصف الروسي لم يكن دقيقاً. الروس يستخدمون القنابل الغبية في سوريا؛ وذلك يجب أن يتوقف".

كيري وكأنه يقول ما لا يعرفه العالم كله من مشاهد وجرائم حرب يومية، هو فقط يتحدث عن فشل أمريكي في التواصل مع لغة الخطاب الروسي العنجهية؛ ولكنه أبداً لم يحفل ولا بلاده بمشاهد قتل الأطفال والأبرياء اليومية في روسيا.

الشهود عديدون؛ يقول رئيس الوزراء التركي السابق داود أوغلو: "إن بشار الأسد لا ينتصر في سوريا؛ برغم دعمه من قبل روسيا التي تنفذ 90% من ضرباتها الجوية ضد المدنيين والمعارضة والمدارس والمستشفيات في البلاد. نحن نعلم ذلك لأن كل الجرحى جراء عمليات القصف الروسية يقومون بالفرار إلى تركيا".

أكذوبة الانسحاب الروسي:

وفيما بدا أمراً عظيماً من الروس، أعلن بوتين في مارس الماضي سحب قواته من سوريا؛ لتنطلق التحليلات في العالم حول حقيقة ذلك. بالطبع لأن أحداً لا يصدق أن بلداً كروسيا يمكن أن يقوم بذلك لدافع إنساني!

حقيقة الانسحاب الشكلي اتضحت فيما بعد؛ فروسيا لديها مصالح كبيرة في سوريا، ولن تتركها برغم المخاطر على اقتصادها المتردي، وكانت الصورة الحقيقية المخجلة أن قرار الرئيس بوتين كان فقط لسحب جزء بسيط والإبقاء على القواعد الروسية، وخفض بسيط لأعداد القوات العاملة اتضح أن الأمر مجرد مناورة تكتيكية لا أكثر.

التعليق الطريف على ذلك جاء من قبل ماكسيم شفشنكو، عبر حسابه قائلاً: "في الحقيقة روسيا لم تنسحب من سوريا؛ لكنها قررت تجنب الاصطدام مع الجيش التركي، المحتمل إجراؤه حملة برية داخل سوريا. الرئيس بوتين أراد أن يُظهر أن موسكو تؤيد الحل السلمي في سوريا؛ فقرر الانسحاب من دون أن ينسحب"!  

مصالح روسية:

المصالح الروسية في سوريا تم الكشف عنها مراراً في تقارير عسكرية رصينة؛ فروسيا تملك قواعد عسكرية في سوريا مثل قاعدة ميناء طرطوس؛ حيث تعد منفذاً إلى المحيطين الأطلسي والهادي والبحرين المتوسط والأحمر.

وفي مقالة له في "فورين بوليسي"، يقول ستيفان إم والت، أستاذ الشؤون الدولية بكلية كينيدي في جامعة هارفارد: "أهداف بوتين في سوريا تتميز أيضاً بالبساطة والواقعية، وتتماشى مع الموارد الروسية المحدودة؛ فهو يسعى لإبقاء نظام الأسد ككيان سياسي يوفر له ممراً سهلاً لبسط النفوذ الروسي، ويضمن لروسيا حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل؛ بمعنى أن بوتين لا يحاول السيطرة على سوريا ولا هزيمة الدولة الإسلامية أو للقضاء على النفوذ الإيراني، وبالتأكيد لا يلاحق بوتين حلم بناء الديمقراطية الواهي ضمن سوريا".

روسيا هي أكبر مستفيد من خيرات سوريا؛ فامتياز الاستثمار في مصادر الطاقة السورية حازته روسيا بشكل حصري؛ فمثلاً في ديسمبر 2013م عقدت شركة "سويزنفت جاز" الروسية عقداً مع الحكومة السورية يقضي بالتنقيب عن البترول في المياه الإقليمية السورية لمدة 25 عاماً.  

أهداف أمريكية وعضلات روسية:

محللون آخرون يرون أن ما يحدث من دور روسي هو أساساً مشروع أمريكي. ويرون أن الولايات المتحدة "تقوم سياستها على جعل القوى الإقليمية تتحمل مسؤولياتها وتقلع شوكها بأيديها، مع الاحتفاظ بدور القيادة من الخلف.. بهذا يكون المشروع الروسي في المنطقة هو بالأساس مشروع أمريكي!"، وأن ما يحصل هو صفقة على حساب هذا البلد المنكوب؛ حيث تقوم روسيا بدور شرطي المنطقة حالياً بمباركة أمريكية في الخفاء وانتقادات أمام وسائل الإعلام.

الكاتب الفلسطيني علي بدوان يضع وصفاً يبدو أكثر دقة فيقول: "الدور الروسي يأتي في سياق التداخلات والتدخلات الدولية التي عنوانها العريض هو المصالح الاستراتيجية الكبرى لمختلف الأطراف المتدخلة والمتداخلة في مسارات الأزمة السورية وتعقيداتها"؛ أما المحلل السياسي الموريتاني محمد المختار الشنقيطي في حديث لـ"الجزيرة" فيقول: "ما نراه اليوم من تدخل روسي في سوريا هو تحقيق لأهداف أمريكية بعضلات روسية".

- روسيا وداعش.. الأصدقاء الأعداء:

روسيا بعنجهيتها واستهتارها وربما لمعرفتها بحقيقة المواقف الدولية وأنها لا تعدو تسجيل موقف صوري؛ فإنها تريد أن يرى الجميع أنها يمكن أن تقوم بأي شيء؛ فالسيد بوتين صرح مؤخراً وبمناسبة عيد الأجهزة الأمنية الروسية، بأن روسيا لم تستخدم بعدُ أسلحتها الأشد فتكاً في سوريا!

وبقدر ما يبدو الأمر محيراً فهو يزداد تعقيداً؛ فداعش (الهدف المعلن لروسيا للتدخل) يطفو على السطح أحياناً أن هناك علاقات وطيدة بين روسيا وبينه؛ ومن ذلك ما نُقل عن ضابط روسي منشقّ يدعى "يوجين" كشف من خلال حديث لقناة أوكرانية عن أدلة وُصفت بالدامغة عن علاقة روسية بداعش، نتج عنها عمليات إرهابية في عدد من العواصم الأوربية. هذا فيما نقل عن رئيس معهد الشراكة الشرقية الحاخام أبراهام شميلوفيتش، أن غالبية المقاتلين لدى تنظيم داعش يتم تجنيدهم في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

ويستشهد المؤيدون لذلك أيضاً بما أقر به المبعوث الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا "ميخائيل بوغدانوف" بإمكانية وجود تعاون بين نظام الأسد وتنظيم "الدولة"؛ وذلك بحسب تقرير لصحيفة "حرييت" التركية؛ مشيراً إلى أن إمكانية التنسيق زادت بعد سلسلة من الاجتماعات بين النظام والتنظيم في 28- 31 مايو في محافظة الحسكة.

- من يقتل أطفال سوريا؟:

خلاصة القول أن الوجود الروسي في سوريا أهم حقائقه هي القتل اليومي لأبناء الشعب السوري تحت مظلة أكذوبة ضرب التنظيم الإرهابي "داعش"؛ في وقت يقف العالم فيه مكتوف اليدين في موقف مخزٍ؛ حيث ينظر لآلاف الأطنان التي سقطت وتسقط يومياً من القاذفات الروسية الثقيلة منذ مطلع العام الحالي لتقتل الآلاف من الأبرياء أغلبهم أطفال ومدنيون. وحتى عندما أكدت منظمة العفو الدولية اتهامها لروسيا بقتل الأبرياء؛ خرجت موسكو لتقول بكل برود: إن كل ما يُنشر ويعرض وينقل صوتاً وصورة هو "مسيّس ومفبرك".. مجدداً المنظمات الأممية تخسر.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org