تقاسُم وتسوية.. ما الذي دفع السعودية وروسيا إلى اختراق مرحلة عدم اليقين؟

"واشنطن بوست": زيارة الملك سلمان كسرت عقوداً من التوتر بين البلدين
تقاسُم وتسوية.. ما الذي دفع السعودية وروسيا إلى اختراق مرحلة عدم اليقين؟

بعد عقود من العلاقات الباردة والمتوترة أحياناً، استطاع الملك سلمان بن عبدالعزيز أن يخترق مرحلة عدم اليقين بين البلدين؛ حيث تُدرك المملكة العربية السعودية أن دولة روسيا هي لاعب جديد في المنطقة لا يمكن تجاهله، وعلى الجانب الآخر تعلم روسيا جيداً أن المملكة العربية السعودية هي مركز الشرق الأوسط، كما اعترف مسؤول روسي بأن المملكة العربية السعودية هي قلب الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؛ وبالتالي يرى الطرفان أن مرحلة التنافس بين البلدين في الأزمة السورية وفي المجال النفطي ليست مفيدة للجانبين على الإطلاق.

تحوّل تاريخي

تقول صحيفة "واشنطن بوست" تعليقاً على التحول التاريخي بين البلدين بعد زيارة الملك سلمان: إن العلاقات بين الدولتين، طالما كانت متوترة منذ الحرب الباردة؛ فالسعودية هي من دعمت الأفغان ضد الاتحاد السوفييتي في الثمانينات، كما أن التنافس بين الطرفين كان حاضراً في مجال النفط؛ لكن زيارة الملك جعلت ذلك من الماضي، خصوصاً وأن الطرفين الآن يعيشان مرحلة من الثقة بعد اتفاقهما على خفض إنتاج النفط؛ وهو ما نجح في رفع الأسعار أخيراً إلى ما فوق 50 دولاراً.

تقاسم النفوذ

النفوذ في الشرق الأوسط ربما كان دافعاً للجانبين لتقاسمه وليس للصراع عليه؛ فروسيا ترى صعوبة في نجاح دورها في الشرق الأوسط؛ بينما العلاقات بينها وبين قلب العالم الإسلامي في توتر، كما أن السعودية لا تريد أن تضع دولة عظمى مثل روسيا في الجانب المنافس، وبدورها ستجد إيران نفسها الرابح الأكبر من هذا التنافس؛ وهو ما أكدته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، التي أشارت إلى أن سياسة "ترامب" ونفوذ إيران هما من بين أسباب زيارة الملك سلمان إلى موسكو.

وتابعت بالقول: "زيارة الملك سلمان التاريخية جاءت على خلفية استعراض البلدين -خلال الفترة الأخيرة- استعدادهما لإقامة علاقات أوثق على الرغم من الخلافات السياسية بينهما"، وفي هذا الصدد يشير الخبراء إلى أن المملكة السعودية تشعر بالحاجة إلى روسيا؛ بسبب تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الوسط حالياً وتعاظم نفوذ إيران.

تسوية وتحييد

وبيّنت الصحيفة نقلاً عن أستاذ كرسي الشرق المعاصر في الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، غريغوري كوساتش، أن السعودية تسعى لتحسين العلاقات الاقتصادية مع روسيا لاعتقادها بأنها بدرجة ما، ستُسهم في تسوية المسائل العالقة في المنطقة؛ لذلك بدأت السعودية تتبع نفس النهج مع الصين. وكما هو معروف فإن العلاقات الاقتصادية الصينية السعودية جيدة جداً برغم الخلافات السياسة بينهما.. وبحسب رأيه فإن "من المهم بالنسبة للرياض تحييد موسكو في أزمات الشرق الأوسط".

تنازلات محددة

ويردف قائلاً: "جاءت هذه الزيارة أيضاً عقب تنازلات محددة من جانب موسكو؛ وذلك بعد أن تم التوصل إلى نوع من الاتفاق في تحديد سعر النفط في الأسواق العالمية، وبعد أن أعلن الرئيس بوتين أن "المملكة هي قوة رائدة في المنطقة؛ وبهذا تنازلنا للمملكة ومنحناها حق التصرف بمختلف مجموعات المعارضة السورية، وأيّدنا موقفها في اليمن.. مقابل هذا نلاحظ أن المملكة تدعم مفاوضات أستانا، ونأمل أن يتفقوا معنا بشأن النزاع السوري".

روسيا والثغرات الأمريكية!

وبحسب "بريان كاتوليس" نقلاً عن "واشنطن بوست"؛ فإن "تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط إبان عهد أوباما جعل من روسيا بديلاً ولاعباً مهماً في قضايا المنطقة.. إننا نرى حالياً قادة دول الخليج العربي يقومون بزيارات إلى روسيا؛ وهذه أحدث علامة على تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط؛ لا سيما في سوريا".

وتضيف "واشنطن بوست": "لقد توترت العلاقات بين السعودية وواشنطن في عهد إدارة أوباما بسبب الملف النووي ونفوذ إيران في المنطقة؛ لكن تحسّنت مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ لكن لا تزال إدارة ترامب تركز على هزيمة داعش وليس رحيل الأسد!".

إيجاد يد لها

من جهتها، أشارت "أنا بورشيشفسكيا"، وهي زميلة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى "أنه على الرغم من أن روسيا لن تستطيع إزالة مكانة الولايات المتحدة من الشرق الأوسط؛ لكنها نجحت في إيجاد يد لها في المنطقة"، وتابعت: "مع كل فراغ في الشرق الأوسط تراجعت عنه أمريكا؛ نجد روسيا تستغل هذا التراجع"، وتُقِرّ الصحيفة الأمريكية بتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة؛ خاصة بعد انحياز الجانب الروسي إلى إيران في الملف السوري؛ بينما كانت السعودية تدعم المقاتلين السنّة وسط عدم وضوح للموقف الأمريكي هناك.

ليست بديلة لواشنطن

التقارب مع روسيا ليس بديلاً أبداً عن واشنطن، بهذه الواقعية ترى صحيفة "نيزافيسيميا غازيتا" الروسية العلاقة بين الجانبين؛ لذلك لم يكن من المصادفة الإعلانُ عن زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الوقت؛ غير أن الرياض تريد أن تبني سياستها في المنطقة بشكل مستقل عن حلفائها الغربيين؛ انطلاقاً من مصالحها الوطنية، كما أن روسيا بصناعاتها والتكنولوجيا العسكرية والتقنية المتقدمة تُعتبر شريكاً ذا جاذبية للمملكة العربية السعودية؛ وهو ما أثبتته الصفقات العسكرية الموقّعة في الزيارة؛ حيث وافقت روسيا على نقل تقنيات الأسلحة وتوطينها في السعودية امتثالاً لرؤية المملكة العربية السعودية الأخيرة التي تهدف إلى توطين الصناعات العسكرية، والذي سيوفر على الميزانية السعودية مليارات الدولارات، وسيسهم في زيادة المحتوى المحلي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org