جرأة في غير محلها

جرأة في غير محلها

بعض التحدّي مهلك؛ خاصة حين يصاحبه ادّعاءٌ واستعراضٌ وشغفٌ بالأضواء!! والجرأة التي في غير محلها مذمومة، وربما أودت بصاحبها إلى الفضيحة وهو يناطح جبلاً يريد أن يزحزحه، فلا استطاع أن يقتلع حجراً منه ولا أمكنه أن يداري خيبته! ولا أشد ممّن يستلون أقلامهم؛ يكتبون عمّا لا يعرفون ويناقشون ما لا يفقهون، وما مبلغهم من العلم أكثر من معلومات "جوجل" و"وكيبيديا" أو حوارات المجالس!!

لم نكن نسمع من قبل، كما نرى الآن، مَن يجاهر باسمه وشكله (!)، ويقول: ما يخالف، وينبش فيما لا يفقه، ويتجرّأ على الدين وتعاليمه الثابتة، ويشكّك فيما حرّمه الله تعالى، ورسوله - عليه الصلاة والسلام - باحثاً عمّا يمكن أن يجعله حلالاً؛ ليصبح غير مستنكرٍ أمام الجميع، فإن كان به ذرة من حياءٍ وخوفٍ من ادّعاء العلم تمنى على العلماء أن ينظروا في تحريمه، غامزاً إلى تبرير أمنيته بكلمات مضحكة جداً حدّ الاستغراب، ولا اندهاش من أن يجد مَن يصفق له ويشجّع جرأته ويستفيد من دخوله منطقة "الخط الأحمر" الذي كان يخشاه؛ ليندفع هو أيضاً ويرفع عقيرته بموضوع آخر يشغله تحريمه أو كراهته! وكأنهم لم يكتفوا باقترافهم الذنب ويريدون أكبر عدد من الناس معهم.

هؤلاء لم ينبتوا في زمننا فجأةً؛ بل كانوا (وربما ثُلة منهم) على سطح الأرض؛ لكن فهم لم يطفوا بهذا الشكل العلني، وربما فيهم نزعة من خجل وخوف ومستوى الجرأة والتحدّي لديهم أقل، وإن غاب وازعهم الديني، ولم يعملوا حساباً للحلال والحرام؛ عَلِموا أنهم محاسبون من المجتمع والعائلة، فلماذا استطال عودهم الآن؟ وتكاملت جرأتهم بلا حياءٍ ولا خوفٍ ولا حساب؟ من أين اكتسبوا ذلك وكيف؟ وإلى أي مدى يمتد خطرهم على فكر الجيل الجديد؟ هذا الجيل الذي تتشكّل خبراته وتوجّهاته وقناعاته من مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مقاعد الدراسة وتوجيهات المعلمين والعلماء والوالدين؛ حين تعلو وتعزّز ثقافة الشك لديهم بهذا القدر في ثوابت الدين التي كانت خطاً أحمر، فأي شيءٍ سيصدقون به وينتمون إليه؟

هذه الجرأة على الدين، وخاصة ما حرّمه بالدليل الصريح من القرآن والسنة، والذي لا يقبل نقاشاً ولا بحثاً من أيّ كائن! وليست حتى في المسائل الخلافية التي ربما (نقول ربما) يقبل النقاش فيها للمتخصّصين وممّن أثنوا ركبهم في حلقات العلم وأروقة الجامعات ونالوا الشهادات وأُجيزوا ويتقبّل منهم فقط.. (يعني لا تتعب نفسك وأنت من غير علمٍ؛ فلن يصدقك العقلاء).

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org