خطيب الحرم المكي للمرابطين في المسجد الأقصى: انتفاضتكم هزت قلوبنا

قال: إن خادم الحرمين انتصر لمسرى رسول الله دون مزايدات إعلامية
خطيب الحرم المكي للمرابطين في المسجد الأقصى: انتفاضتكم هزت قلوبنا

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.

وقال "السديس" في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: من تأتلق بصيرته في التأمل والجولان بين أحداث التاريخ ووقائع الزمان؛ تستوقفه حكمة من حكم الله البالغة، إنها حكمة الاصطفاء والاختيار؛ فلقد اصطفى الله من الملائكة جبريل ومن البشر الأنبياء والمرسلين، واصطفى منهم سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، واصطفى من البلاد والبقاع أرض الحرمين الشريفين وبيت المقدس المبارك الذي وصفه رب العالمين بالعلو والصفاء.

وأضاف: شريعة الإسلام جاءت بأعظم فروضها بعد التوحيد وهي الصلاة، متوجهاً بها إلى بيت المقدس؛ فكان أول قبلة للمسلمين، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثلاثة عشر عاماً بمكة، وبعد الهجرة للمدينة أيضاً سبعة عشر شهراً؛ حتى نزل القرآن الكريم فأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام، الذي ارتبط ارتباطاً أزلياً إيمانياً وتاريخياً وروحياً بالمسجد الأقصى؛ فهما أول مسجدين وُضعا في الأرض لعبادة الله وتوحيده.

وأردف: عن بيت المقدس جاء في الحديث أنها أرض المحشر والمنشر؛ فهو البيت الذي عظّمته الملل، وأكرّمته الرسل، وتُليت فيه الكتب الأربعة المنزّلة من الله عز وجل (الزبور، والتوراة، والإنجيل، والقرآن).

وتابع: دلت الدلائل المذكورة على أن مُلك النبوة للشام والحشر إليها؛ فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأرض، وهناك يُحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، كما أن مكة أفضل من بيت المقدس.. الله أكبر إنه الارتباط الإيماني والتاريخي الذي جعله الله بين مَواطن النبوة وأخاير المواضع على بساط المعمورة.

وقال "السديس": الإسلام زاد هذا الارتباط وهذه الصلة قوة وعمقاً، وكيف لا يرتبط بها المسلمون وهي أرض الأنبياء والمرسلين؛ فعلى ثراها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وغيرهم كثير ممن لم تُذكر أسماؤهم من أنبياء بني إسرائيل، وفي السنة الخامسة للهجرة فتح المسلمون بيت المقدس وقال البطارقة: لا نسلّم مفاتيح بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب؛ فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة، وجاء عمر رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى بيت المقدس وتسلّم مفاتيحه.

وأضاف: لقد كتب التاريخ بميلاد من نور، إنه لم يهدم صومعة ولا كنيسة ولا معبداً ولا داراً؛ بل ترك للناس دور عبادتهم، وكَتب لأهل البلد عهداً وأمانة، وأشهد عليه، وشهد التاريخ أيضاً أن اليهود والنصارى عاشوا أسعد فترة في ظل حكم المسلمين، ومارسوا عبادتهم بحرّية لم يجدوها في ظل أي حكم آخر؛ فالإسلام دين الوسطية والاعتدال والقسط والشهادة على الناس، وليس دين التطرف أو الإرهاب، وليس فيه عداء إلا لمن ابتدر أهله بالحرب والعداء.

وأردف: أيها الإخوة المرابطون على ثرى فلسطين الصامدة، أرض العز والشموخ والفداء والتضحية والإباء، نخاطبكم من المكان الذي يمثّل حلقة الوصل بين أبناء هذه الأمة، إن أقصانا أسير بأيدي البغاة الطغاة العداة، كلما نذكر الأقصى -أقر الله الأعين بفك أسره وقرب تحريره- تعتصر قلوبنا حسرة وأسى على ما جرى له ويجري من هؤلاء الصهاينة المعتدين؛ فقضيتكم قضيتنا وهزة انتفاضتكم هزة قلوبنا ومصابكم مصابنا.

وتابع: فصبراً صبراً أيها المرابطون، لقد سطر جهادكم المبارك بأحرف العز والنصر والشرف أروعَ النماذج في التاريخ المعاصر؛ فبوركتم من رجال، ولله دركم من أبطال، لقد أعدتم للأمة الآمال، وصدقتم الأقوال بالأفعال، ثقوا بنصر الله لكم متى ما نصرتم دينه {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}.

وقال "السديس": هنيئاً لكم بذل الأرواح رخيصةً في سبيل الله، ودعاؤنا من سويداء القلوب أن يتقبل الله شهداءكم، وأن يكتب لمرضاكم وجرحاكم عاجل الشفاء والعافية، ولا تيأسوا من روْح الله؛ فالنصر قادم بإذن الله، وإن الأمة لتتطلع إلى مراحل العمل والمنهجية والمواقف والتأصيل؛ فلم تَعُد تجدي الكلمات ولا التنظيم، وإن مسؤولية صلاح أحوال الأمة والخروج بها من مأزقها مسؤوليةُ المسلمين جميعاً في خطى حثيثة للعقيدة والعلم والعقل والحكمة؛ ليتحقق للأمة وعد الله الذي لا يُخلف.

وأضاف: إننا لنعمل أن تكون مصائب الأمة سحابة طيف تنقشع عما قريب؛ فالنصر للإسلام وأهله؛ فليقر المسلمون بذلك عيناً، ومن الله وحده نستلهم النصر والتمكين.. حفظ الله عقيدتنا وأمتنا وقيادتنا ومقدساتنا من كيد الأعداء، إن ربي سميع مجيب الدعاء.

وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الثوابت التي لا تقبل الجدل؛ ذلك الأمر المتأصل والمتجذر في سياسة بلاد الحرمين الشريفين؛ فهي لا تزال -حرسها الله- صاحبة الريادة في تبني قضايا الأقصى والدفاع عنه ونصرته قولاً وعملاً، ولا تألو جهداً في كل ما يخص الأقصى وبيت المقدس، إنها المسؤولية التي منحها الله لقادة هذه البلاد المباركة في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية قضايا الأمتين العربية والإسلامية.

وقال: يؤكد ذلك ويوطّده الجهودُ الكبيرة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لرفع الضيم الذي طال المسلمين في الأرض المباركة مسرى النبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث تكللت -ولله الحمد- مساعيه بالنجاح الأزهر في رفع الضرر والظلم الذي تَعَرّض له الشعب الفلسطيني، وتوقفت الانتهاكات والأعمال العدائية ضدهم، هنأهم الله بما أعطاهم، وزادهم من نصره وتأييده، وأغناهم؛ فالله أكبر هذه بوارق النصر تلوح ورائحته تفوح.

وأضاف "السديس": مما يبعث على التفاؤل والبشائر؛ هذا التفاعل الإسلامي الشعبي والرسمي لأمتنا الإسلامية من المحيط إلى الخليج، مع إخوانهم المجاهدين الصامدين هناك.. وهنيئاً لبلاد الحرمين الشريفين -حرسها الله- مبادرتها الإيجابية القوية، التي تؤكد ثبات مواقف بلاد الحرمين في حفظ حق المسلمين في المسجد الاقصى الشريف، وأداء عباداتهم فيه بكل يُسر وطمأنينة واحترام قدسية المكان، وإحلالاً للأمن والسلم الدوليين، وإن من حق المسلمين العودة لدخول المسجد وأداء الصلاة فيه بكل أمن وسلام.

وأردف: لقد تم ذلك دون مزايدات إعلامية أو تصريحات صحفية أو معارك إلكترونية، والدعوة موجهة إلى المسلمين جميعاً بالواجب المتحتم في مثل هذه الظروف العصيبة لدعم ونصرة الإخوة المرابطين في الأقصى ليل نهار، بكل ما تيسر من سبل، واللهج بالدعاء لهم بالنصر والثبات.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org