دور المناهج الجامعية في بناء إنسان الألفية الثالثة

دور المناهج الجامعية في بناء إنسان الألفية الثالثة

ظهرت من خلال التطور الذي عم البشرية جمعاء عبر القرون، حاجة ملحّة لإعادة بناء الإنسان بشكل عام، والذين يتصدون لقيادة المجتمعات بشكل خاص. وبرزت من خلال ذلك حاجة ملحة لتضمين مناهج التعليم الجامعي إضافات تُعنى ببناء مثل هذه الشخصيات، ولعل هذا الأمر قد شَغل بال كثير من الجامعات لا سيما في المجتمعات التي عانت من طمس الهوية الذي تسببت فيها سنوات الاستعمار، وغذته معطيات الفضاءات المفتوحة التي خلطت كثيرًا من أوراق الشعوب. ولذلك اهتمت بعض جامعات العالم الإسلامي على سبيل المثال بهذه الجوانب التي اعتبرتها مهمة للغاية، وتحتاج للدراسة العميقة، وينبغي أن تعنى بها المناهج الجامعية أكثر من غيرها.

لقد أصبح هذا المنحى عاملًا أساسيًا في المؤتمرات التي انعقدت خلال السنوات العشر الماضية في دول الخليج والعديد من البلاد الآسيوية، وعلى رأسها دولة ماليزيا التي اهتمت أكثر من غيرها بقضية المناهج والتعليم، واعتبرت هذه الموجهات عناصر أساسية لا بد منها؛ لمساعدة الطالب الجامعي على فهم نفسه وإمكانياته وموقعه داخل المجتمع وتحديد المسؤوليات الملقاة على عاتقه في الحياة. وتأكد ذلك من خلال استقراء ما توصلت إليه العديد من الملتقيات العلمية التي أقيمت لهذا الغرض في أوروبا والشرق الأوسط.

إن هذه الاعتبارات الأصيلة لا بد أن تجد مكانتها وتحتل موقعها المتميز عند تخطيط المناهج الجامعية وتنفيذها وتقويمها ومتابعتها وتطويرها بشكل مستمر، وبدون هذا لا يمكن تأسيس البناء المنشود للشخصيات المطلوب رسمها لقيادة الأمم في المرحلة القادمة، ومن الملاحظ أن التعامل مع المعرفة المنشودة بأنماطها الحديثة على مستوى الجامعات يدور حول موضوعات معينة ومشكلات أفرزتها تعقيدات الحياة الحاضرة في كل بلاد العالم تقريبًا؛ لأن التطوير والخروج من ربقة المألوف يحتاج إلى مصادر معرفية متعددة، ويقوم على تكثيف الدراسات بصورة متكاملة، ومعرفة تأثير أي منهج على حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، وهذا لا يتحقق إلا بالعمل الجاد والدؤوب على تطوير المناهج الجامعية، وهذا التطوير يقتضي تنقية المناهج من واحدة من الآفات الكبيرة التي ألمت بها عبر التجربة العملية وهي مشكلة التكرار؛ حيث أصبح هذا التكرار مشكلة حقيقية عانت منها كثير من الجامعات؛ لا سيما في الكليات الحديثة التي أرادت إثبات ذاتها ككليات نشأت من أقسام، ولذلك برزت الحاجة لوضع مسافات في المناهج توضع من خلالها البنية المنطقية والمحتوى المطلوب لكل منهج، وتحدد مفاهيمها وعلاقاتها مع بعضها. ومن هنا يمكن أن يظهر الترابط بين المناهج التعليمية بدلاً من التداخل والتكرار، ثم لا بد من إبراز المجالات الإضافية التي يحتاجها المنهج الذي يساير الطالب الجامعي عبر أكثر من فصل دراسي واحد، ولا يتم هذا إلا بالحفاظ على طبيعة كل منهج وتحديد مجالات تطوره عامًا بعد عام.

ومن واجبات المناهج الجامعية تجاه بناء الإنسان، ضرورة الاستفادة من المواهب الذاتية والقدرات التي تتمتع بها الشخصيات وتوجيهها التوجيه السليم، وإشاعة مفهوم التدريب وغرسه فيمن يُراد تنشئتهم على النمط القيادي المتميز وتشجيعهم، وتزويد الدارسين بالقواعد والأسس القويمة ذات المعيارية الجيدة، والقدرة على تنظيم السلوك وفق منهجية محددة، والمحافظة على قيم الإنسان وكرامته، والبعد عن تعريضه لأي شكل من أشكال القهر أو الإساءة، ويجب ألا تضيع حياة الإنسان  هدرًا من خلال السير دون منهج تربوي سليم، وتقديم الخبرات التي تتناسب مع طبيعة الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، كبيرًا أو صغيرًا؛ حيث إن مناهج التربية الصحيحة لا بد أن تفرّق بين قطاعات المجتمع، وتدرك أنه ليس من التربية السليمة أن تقدّم خبرات متساوية لمن هم مختلفون في مَلَكاتهم ومقدراتهم ووظائفهم الفسيولوجية والاجتماعية.

إن تنمية رغبات الإنسان الفطرية في التعلم وتلبية مطالبه وحاجاته الملحة من خلال ما تحويه  المناهج التي تقوم على تنقية المناخ المحيط بالمجتمع؛ ستسهم في غرس القيم المضمنة من خلالها؛ وبالتالي تكون قد حققت بناءها لإنسان الألفية الثالثة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org