#سبق_في_البلقان : حكاية طبيب أنقذ الآلاف ولم يستطع شفاء جرحه!

قال إنني مدين للسعودية بتعلُّم اللغة العربية والقرآن الكريم
#سبق_في_البلقان : حكاية طبيب أنقذ الآلاف ولم يستطع شفاء جرحه!

(تصوير: ظافر البكري): وأنت تتجول في وطن لا تزال آثار الحروب في جدران مبانيه، وفي وجوه الشيوخ والأطفال والنساء، فأنت أمام إرث من المآسي وحكايات الوجع والفَقْد والألم والنجاح والكفاح.. فلم يكن يعتقد أهل البوسنة أن يفقدوا خلال هذه الحرب ما يقارب 200 ألف مسلم وفقًا لتقديرات الباحثين من أهل البوسنة، فضلاً عن المصابين الذين تعجز كبرى مستشفيات العالم عن استقبالهم. فعلى مر تاريخ الإنسانية عُرف أن من رحم المعاناة يولد الإبداع؛ فمنها تظهر قصص الناجحين وعزمهم وإصرارهم؛ ليسطروا عبر العصور ما معنى أن تكون شيئًا خالدًا.
 
في بلدة موستار عاصمة الهرسك، التي جاء اسمها نسبة إلى الجسر القديم المطل على نهر نيريتفيا، يقطن الدكتور الجرَّاح المسلم حافظ كوني هوجيتش منذ (23 عامًا) وترافقه شظية في جسده، أُصيب بها وقت الحرب الدامية التي اندلعت في البوسنة، وكتب الله له أن يعيش؛ لينقذ بعدها حياة 1500 مسلم. ولا تستغرب وأنت تدخل مدينة موستار ذات العمق التاريخي الطاعن، والتراكم الحضاري الغارق في الطبيعة الخضراء والأنهار المتدفقة بالمياه العذبة، أن يرشدك أحد سكانها عن مكان وجود الطبيب الشهير كبير جراحي المخ والأعصاب المعروف بالجراح الذي أنقذ حياة الآلاف، ولم يستطع إنقاذ نفسه. وقد التقت "سبق" الدكتور هوجيتش البالغ من العمر (65 عامًا) أثناء وجوده طالبًا في مركز الملك فهد الثقافي فرع موستار لتعلم اللغة العربية.
 
يروي الدكتور هوجيتش، المتخصص في الجراحة العامة وجراحة المخ والأعصاب، لـ"سبق" قصته قائلاً: أثناء اندلاع الحرب في البوسنة كان عملي طبيبًا شبه متواصل، خاصة في المستشفيات؛ لما تشهده المنطقة من مصابين من جراء هذه الحرب. وفي مطلع العام 93م بينما كنت متجهًا من منزلي إلى المستشفى سقطتُّ على الأرض، ولم أعلم حينها سبب سقوطي؛ ونُقلت للمستشفى سريعًا كما يروي لي ذلك المسعفون، وكنت حينها لا أشعر بمن حولي.
 

وأضاف "بعد الكشف عليّ تبين أن شظية استقرت في قلبي، وهي بحجم حبة الأرز. وبفضل الله تعالى تحسنت حالتي الصحية سريعًا، ولم أعد أشعر بألم، وكنت قادرًا حينها على الحركة، ومستعدًا لممارسة عملي طبيبًا. وبعد أيام قليلة من حادثة الإصابة أصبحت أعيش حياة طبيعية بفضل الله تعالى رغم وجود الشظية في قلبي، إلا أنني فُرض علي استخدام علاج منظم للقلب. وبالفعل عدت لممارسة عملي، وأجريت ما يقارب 1500 عملية لمصابي الحرب من المسلمين، ولم أشعر - رغم حجم العمل - بأي مضاعفات.
 
وتابع: اتجهت بعد الحرب إلى بريطانيا؛ لزيارة أطباء هناك والكشف على الشظية، واستخراجها، ولكن الأطباء أكدوا لي أنه يستحيل استخراج الشظية من قلبي؛ فإجراء مثل هذه العمليات يعني الموت. توكلت على الله، ثم عدت إلى بلادي، واستمررت في تقديم الخدمة الطبية حتى اليوم، وأجريت عددًا كبيرًا من العمليات، يصل إلى 4500 عملية، ولا تزال الشظية في قلبي، ولا أشعر بأي ألم. وهذا كله بفضل الله تعالى. ورغم أنني الآن في سن التقاعد إلا أنني فضلت ممارسة عملي طبيبًا؛ فأنا أشعر إنْ توقفت عن العمل سأموت.
 
وتابع: قررت قبل ثلاث سنوات أن ألتحق بمركز الملك فهد الإسلامي (فرع موستار). هذا الصرح العظيم الذي أنشأته المملكة العربية السعودية لتعلُّم اللغة العربية؛ لأنني أحب الثقافة العربية. وقد وصلت - ولله الحمد - لمراحل متقدمة في تعلُّم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم من خلال المركز، وهذا يعود بفضل الله ثم بفضل السعودية؛ فأنا مدين لها بذلك. وأردف: لم يسبق لي الذهاب إليها؛ فأنا لم يكتب لي الله الحج أو العمرة، لكني آمل أن تتاح لي الفرصة بعد هذه السنوات لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة.
 
ويقول الخبير التعليمي بمركز الملك فهد الثقافي (فرع موستار)، الدكتور يحيى عبد الغني الزيات، عن الطبيب "حافظ": هذا الرجل العظيم لم يغب عن دروس المركز منذ أن بدأ معنا قبل ثلاث سنوات؛ فهو حريص على الانضباط، وفي تقدُّم مستمر في تعلم اللغة العربية؛ لأنه عاشقٌ لها وللثقافة العربية، وممتن للمملكة العربية السعودية وللمركز الإسلامي في موستار. كما أن الطبيب حافظ مثالٌ عظيمٌ على الإصرار والتحدي وحب العلم وحب الوطن. 
 

#سبق_في_البلقان برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية
#سبق_في_البلقان برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org