سجن أو قتل أو تعذيب.. ملامح من قصص منع النقاب في تاريخ المسلمين في مقدونيا

دار الإفتاء في تيتوفا: جهود حثيثة تفتقر لحضور إسلامي لدعم الجهود الخيرية
سجن أو قتل أو تعذيب.. ملامح من قصص منع النقاب في تاريخ المسلمين في مقدونيا

تصوير: فايز الزيادي: في 22 يناير 1951م بالقرب من مدينة تيتوفا في مقدونيا، وبعد إقرار قانون منع ارتداء النقاب، أطلقت الحكومة الشيوعية جنودها بشكل مسعور لتطبيق ذلك القانون. وصلت قوات الجيش والشرطة إلى كل الممانعين لذلك من أئمة ومشايخ المساجد تحديدًا.

 

يصف لـ"سبق" السيد "نفزات يوسفي (85 عامًا)"، وهو الذي قُتل والده في واحدة من تلك المواجهات، كيف تم إخراج كل الناس في قريتهم إلى الميدان الرئيسي، وتم الاعتداء عليهم، وسجن الكثير منهم، ومَن حاول المقاومة تم قتله، ومنهم والده.

 

تُعد مقدونيا من دول شرق أوروبا، بخلاف أنها جزء أساسي من البلقان. يسكنها قرابة مليونين ونصف المليون من المسلمين، أكثرهم من أصول ألبانية. كما أنها إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة. وتوصل بعض المصادر نسبة المسلمين فيها إلى قرابة 45  %، وبعضهم يهبط بها إلى 35 %. اللغة المقدونية هي اللغة الرسمية، أما المسلمون فيتحدثون الألبانية. الحكم علماني، العاصمة سكوبيا وهي بلد غير ساحلي.

 

-معاناة:

 

عانى مسلمو مقدونيا كثيرًا تحت الحكم الشيوعي ظلمًا واضطهادًا، وتعرضوا أيضًا لحملة قوية لتذويب هويتهم الإسلامية، ومع ذلك تمسكوا بعقيدتهم، وحافظوا عليها مع تباين كبير في ذلك بين منطقة وأخرى. كما يتعرضون حاليًا لضغوط سياسية، وخصوصًا من "الحزب الثوري المقدوني" اليميني المتشدد، الذي له مركزه القوي في البرلمان والحكومة، ومن أهدافه تحجيم وتشويه صورة المسلمين المقدونيين. المسلمون لهم حضور سياسي، ولكنه – للأسف - محصور ضمن توجه قومي ووطني، وذلك بالرغم من أن الحكومة دستوريًّا تعترف بالإسلام دينًا كباقي الأديان في نظرهم.

 

-   تأثُّر بالسلوك الإسلامي:

 

 يقول لـ"سبق" المؤرخ بجامعة تيتوفا زيني مازلامي: "وفقًا لمستندات تاريخية من الأرشيف العثماني، فإنه في القرن الـ15 من الميلاد عاش في هذه المدينة قرابة 300 بيت مسلم من أصل 1095 بيتًا. وفي إحصائية تعود إلى عام 1531، ووفقًا للتعداد السكاني، هناك 420 بيتًا مسلمًا من أصل 1295 بيتًا".

 

ويضيف "مازلامي": "انتشار الإسلام كان بطريقة بطيئة. والعثمانيون لم يستخدموا العنف لإجبار المسيحيين على ذلك. بل إن دخول الإسلام ممن دخلوه من المسيحيين كان عن قناعة وتأثرًا بسلوك المسلمين، ونتيجة لعدالة اجتماعية من قِبل إدارة الحكم العثماني".

 

واصفًا عام 1582م بأنه "كان رائعًا؛ إذ إن عدد المسلمين في هذه المدينة فاق الـ 70 %، وأصبح المسلمون أغلبية. تعتبر تيتوفا مركز تركز المسلمين، وتليها مدينة غوستفار، وهما قريبتان جدًّا من جدود ألبانيا غربًا. وفي تيتوفا أغلبية ألبانية، ويوجد أيضًا أتراك وبشناق".

 

-   قصة مقدونيا:

 

هذا فيما تشير المصادر التاريخية إلى أن الإسلام دخل البلاد فعلاً قبل الحكم العثماني عن طريق التجار المسلمين. وبعد معركة كوسوفا عام 1389م "دخل الألبان في الإسلام. وعندما ضعفت الدولة العثمانية، وبعد انتصار صربيا وبلغاريا واليونان على العثمانيين عام 1913م، قُسّمت مقدونيا بينهم. وبعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م نشأ الاتحاد الفيدرالي اليوغوسلافي مكونًا من (البوسنة والجبل الأسود وكوسوفا وصربيا وسلوفينيا ومقدونيا وكرواتيا)، وسُمح للمقدونيين بتكوين جمهورية تحت الحكم اليوغوسلافي. وبعد سقوط النظام الشيوعي عام 1992م أعلنت مقدونيا استقلالها".

 

- دار الإفتاء بمدينة تيتوفا:

وعن بعض الأدوار التي تقوم بها دار الإفتاء بمدينة تيتوفا يقول لـ"سبق" الشيخ إدريس إدريسي، المفتش التعليمي بها وخريج جامعة الإمام بالرياض: "توجد جامعتان بالمدينة باللغة الألبانية، وهناك العديد من المدارس الثانوية العامة والمتخصصة، من ضمنها المدرسة الإسلامية للبنات. ولدينا 105 مساجد في المدينة وما حولها من القرى، وأكثر من 180 إمامًا ومعلمًا وواعظًا، وغيرهم من الموظفين لدى دار الإفتاء بتيتوفا. ويتم تمويلها من داخل مقدونيا من خلال المتبرعين وأعضاء جماعة المساجد. ونفتقر حقيقة للدعم من الدول الإسلامية وفاعلي الخير فيها".

 

هذا، فيما يقول بكر مهمدي، مدير قسم الثقافة بدار الإفتاء: "لدينا مشروع لدعم حفاظ القرآن الكريم؛ إذ نرسل مجموعة من الحفاظ لقراءة القرآن في مساجد تيتوفا وما حولها من القرى أيام الجمعة، وذلك على مدار السنة. والأنشطة الدينية لدار الإفتاء متعددة، منها إقامة حفل ختامي في أكثر من 80 مسجدًا؛ إذ يتم الاحتفاء بتخرج دفعات من الطلبة البنين والبنات عقب ظهور نتائج الامتحانات النهائية من قِبل دار الإفتاء. وقد يصل عدد الخريجين إلى ألفَي طالب".

 

-   أنشطة رمضانية:

 

من جهته، يضيف بكيم سليماني، مدير مدرسة تعليم اللغات بمدينة تيتوفا – ماجستير اللغة العربية وخريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (كلية الدعوة والإعلام): "في رمضان تحديدًا يتم إعداد برنامج حافل، مثل الدروس والمحاضرات، والمشاركة الفعالة في الوسائل الإعلامية بجميع أنواعها، المقروءة والمسموعة والمرئية، وإدارة الحوارات المفتوحة في التلفزيون الحكومي".

 

جهود دار الإفتاء هذه تواجه إشكاليات عديدة، وهي - كما يقول "إدريسي" - تفتقر لدور الوقف الإسلامي الذي ازدهر كثيرًا أمام الحكم العثماني، لكنه من بعده تعرض للتدمير والاستيلاء عليه من قِبل الحكومات المختلفة. وبالرغم من المطالبات للحكومة لم يتم إعادتها منذ العهد الشيوعي. 

#سبق_في_البلقان برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية
#سبق_في_البلقان برعاية "روكو" للأدوات المدرسية والمكتبية

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org