"عقيدة أوباما".. شكرًا من القلب!!

"عقيدة أوباما".. شكرًا من القلب!!

في خطوة جريئة أزال الرئيس الأمريكي أوباما القناع عن الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عبر مجلة "ذي أتلانتك"؛ إذ اتهم على لسان الكاتب الأمريكي الصهيوني جيفري جولدبيرج، وبأسلوب غير معهود، دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بأنها مصدر للتطرف الإسلامي، وطالب السعودية ودول الجوار بتقاسم "الكعكة" مع إيران.

هذه العقيدة "الأوبامية" توضح بشكل جلي خارطة الطريق للولايات المتحدة في تعاملها مع دول المنطقة حاليًا ومستقبلاً. ولكي نكون أكثر واقعية فهذه ليست عقيدة أوباما وحده بقدر ما هي سياسة أمريكية جديدة في المنطقة، سيسير عليها مَن بعده.

بالنسبة لي، لم أرَ شيئًا جديدًا فيها، وهو أمر مفروغ منه ومتوقع لمن كان يقرأ ما بين السطور، ويستخدم أبجديات الحدس الفطري!!

وما أسعدني فيها أن هذه العقيدة نُشرت للعلن حتى يصحو الكثير من غفلتهم، ويروا السياسة الأمريكية على حقيقتها دون استخدام "الميك أب" وأدوات التجميل الأمريكية الفاخرة التي أعمت شريحة كبيرة من شعوبنا الإسلامية والعربية عقودًا طويلة عن رؤية الواقع في المنطقة.

وفي المقابل، أقولها - وبكل صدق -: شكرًا لك سيد أوباما وللسياسة الأمريكية للتخلي عن حلفائكم في الشرق الأوسط، ممن وصفتهم في تلك المقابلة بأنهم "وهميون".

شكرًا لك؛ لأن هذا التخلي علمنا كيف نقف على أرجلنا بصلابة، ونواجه العدو والتحديات. فها هي ثمراتها عاصفة حزم في الجنوب، ورعد في الشمال، وتحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب، لم يكن يخطر ببال أعتى عرابي السياسة الأمريكية، ولولا عقيدتك لظللنا نتطلع إلى الدعم والمساندة!!

عقيدة أوباما، أو بشكل أدق عقيدة أمريكا، التي تتهم السعودية بالطائفية وتصديرها للإرهاب، هي نفسها التي تمتلك إرهابًا من صنف فاخر وفاجر، هو أشد فتكًا من آلة القتل الداعشية، لكنها تظهر لنا بالورود والزهور وكلمات العدل والمساواة؛ لتسحق فيها آلاف الأرواح في العراق وأفغانستان، وتشرِّد أضعافهم. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. لكن من يجرؤ على تسمية ذلك بالإرهاب في الإعلام الغربي؟!!

علَّمتنا عقيدة أوباما - عفوًا عقيدة أمريكا!! - حقيقة داعش ومن أين منبتها ومشربها ومأكلها!!.. ألم يلمح في سياق حديثه بأن داعش هي "الجوكر"!!

هذه العقيدة الأمريكية التي يراها أوباما، وبمؤازرة لصيقة مع العقيدة الروسية، جعلتنا نرى رأي العين كيف تنطلق الطائرات والصواريخ، بكل سكينة ووقار، من فوق رؤوس الدواعش؛ لتستقر بكل قوة وتدمير فوق رؤوس المقاومة السورية الحرة والضعفاء العزل في سوريا.

عزيزي السيد أوباما.. لا أخفيك أنني أتعجب من إبداء قلقك من انتشار الحجاب في إندونيسيا، لكنك لم تبدِ شيئًا من القلق على ما تفعله مليشيا الإرهاب والطائفية الإيرانية من اغتصاب للعفيفات في سوريا، أو الامتعاض قليلاً من سحق جماجم الأطفال هناك.. فهل تملك تسمية لهذا التناقض؟ أعتقد أن هذا يقع تحت نطاق ما أشرت إليه في مقابلتك الصحفية بأن "كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو قليل من المستبدين الأذكياء"!!

شكرًا من الأعماق للسيد أوباما.. لأن عقيدتك أزالت الغبش عن أعين بعض المغرر بهم في مجتمعاتنا، وتعلموا جيدًا أن صداقتكم للمملكة ودول الخليج ودول العالم العربي كله لم تكن سوى صداقة مصالح بحتة، سرعان ما تتحول لصدود وشذوذ عند اختلاف بوصلة المصالح. يكفي أنك أشرت في عقيدتك بكل وضوح إلى أن "الشرق الأوسط لم يعد مهمًّا جدًّا للمصالح الأمريكية".

عقيدة أوباما شكَّلت لنا صورة حقيقة صارخة عن دعاوى حقوق الإنسان والعدل والمساواة التي تصرخ بها الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، صباح مساء.. لتنهار أمام كل ظلم واستبداد يمس المسلم "السُّني تحديدًا"؛ لتعدو هاربة ككلب وديع!!

شكرًا لك أوباما؛ لأنك أيقظت شباب الدول الإسلامية والعربية من غفوتهم.. ليعرفوا الصورة التي تختفي وراء الأفلام الأمريكية والعدالة الأمريكية وتمثال الحرية الذي أصابه العمى عما يحدث للسُّنة في سوريا، وقبلها في العراق وأفغانستان وبورما.. والقائمة تطول.

ذلك التمثال الذي انتفض للتفجير الإرهابي في فرنسا وأزبد وأرعد، لكن – للأسف - لم يصب بـ"رعشة خفيفة" تجاه القتل والتشريد لمئات الآلاف في سوريا والعراق وبورما.

وحديثي هنا لا يعني بأي حال من الأحوال الرضا بذلك التفجير الإرهابي، وإنما في تناقض التعاطي بين الدم "الأوروبي" والدم "السُّني".

عقيدة أوباما لم تعطِ لنا سوى مزيد من القناعة بخارطة طريق "الفوضى الخلاقة" التي تبحث عنها أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، كيف لا؟ وقد أشار في تلك المقابلة الصحفية إلى أن عليهم أن يساعدوا في تلبية النداء من أجل فجر جديد في الشرق الأوسط!! وهو الفجر الذي يبدو أنهم يريدونه دون حلفاء وهميين كدول الخليج!!

عقيدة أمريكا هي نفسها التي جعلت السعودية وحلفاءها تبدأ في إنهاء تلك الفوضى التي ظهرت باستخدام البعبع الإيراني، والتزاوج العاهر مع داعش واستخبارات بعض الدول بخبث ومكر تزول منه الجبال!!

من أعظم الدروس التي تعلمناها من عقيدة أوباما أنها أظهرت لنا كم نحن بحاجة للتكاتف والتآزر كدول إسلامية لمواجهة طغيان انقلاب موازين العدالة واستبداد الإرهاب والطائفية في المنطقة تحت عين وبصر الدول العظمى والأمم المتحدة.

فهل بعد ذلك يحق لنا أن نغضب من تلك العقيدة؟!!

عقيدة أوباما ليست وليدة الساعة، وإنما هي إرث عريق للسياسة الأمريكية، تتغير وتتبدل بتغير المواقف والأوضاع، وهو ليس سوى موظف في تلك السياسة، كان عليه أن يؤدي مهامها على أكمل وجه.. وقد فعل!! بلا شك، من حق الولايات المتحدة البحث عن مصالحها وحلفائها كما يحق لكل دولة، المهم أن نتعلم الدرس جيدًا. وأقول هنا لبني جلدتنا: { إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

أخيرًا، فأمام السعودية طريق طويلة وشاقة لتحقيق أهداف عواصف الحزم والعزم، وهي بحاجة إلى استراتيجيات غير تقليدية، والبحث عن حلفاء جدد، مع الحفاظ على الحليف اللدود أمريكا، ولكن بأدوات جديدة ومبتكرة!! كما تحتاج المرحلة القادمة لمزيد من البذل والتضحية والعطاء لضمان استقرار الأمن في المنطقة، فهكذا دومًا طريق العزة والعدالة.

وعلى يقين بأن قيادتنا الحكيمة قادرة على السير في ذلك مهما بلغت التضحيات - بإذن الله -.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org