#كانوا_معنا: سليمان الرشيد .. كيف نجا من "الطاعون" ليتحول إلى أكبر تاجر أرز في المملكة

#كانوا_معنا: سليمان الرشيد .. كيف نجا من "الطاعون" ليتحول إلى أكبر تاجر أرز في المملكة

يعتبر أحد أفراد الجيل الأخير من رجال الأعمال الذين تنقلوا بتجارتهم فوق ظهور الجمال

تتصدّر سيرة الشيخ سليمان المحمد الرشيد ـ يرحمه الله ـ أشهر تجار الأرز، قائمة الرعيل الأول من رجال الأعمال العصاميين، الذين بدأوا مسلسل الكفاح من الصفر، معتمدين على إيمانهم بالله، ثم على ذكائهم وجَلدهم وصبرهم، حتى أثبتوا أنفسهم بجدارة واقتدار، وسط بيئة قاحلة وبدائية، لا يبرز فيها إلا الأقوياء والأتقياء.
 
 
قرن من الحياة
عاش الشيخ سليمان نحو 100 عام، قضى منها 87 عاماً في رحلة كفاح مستمر في عالم المال والأعمال والإنسانية، وصام رمضان الماضي بين أهله ومحبيه، قبل أن يرحل عن الحياة الدنيا تاركاً المجد بعد أن وُلد في بيئة مرض "الطاعون" القاتل عام 1337 في بريدة، وتوقعت والدته حينها أن يموت بسبب المرض المعدي إلا أن رحمة الله وإرادته كانتا أقوى لينشأ ويعيش ويسطر حروف النجاح في كل المجالات.. وحقّق ما عجز عنه آلاف الناس في عصره.
 
 وفضّل الشيخ أن يعمل في هدوء تام، وصمت مطبق بعيداً عن أبواق وسائل الإعلام بكل أنواعها، تاركاً أعماله وإنجازاته تتحدث عنه.
 
جيل تجارة الجمال
يعد الشيخ سليمان؛ أحد أهم رجال الأعمال في المنطقة الشرقية، والمملكة، الذين أسّسوا لاقتصاد الوطن، ونهضوا به، إلى أن بات أهم وأقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط؛ ليس لسبب سوى أنه أحد رجال الأعمال المخضرمين، الذين عاصروا الماضي بكل قساوته وضنكه، والحاضر بتطوره وحداثته، فكان أحد أفراد الجيل الأخير من رجال الأعمال الذين تنقلوا بتجارتهم فوق ظهور الجمال، بين جزيرة العرب والعراق والشام ومصر، ونالوا الشهرة والمجد، وأصبحوا مثالاً وقدوة يحتذى بها، لقوة عزيمتهم وإنجازهم وصدق تعاملهم.
 
ابتسامة رمضان
في أيام الشهر الفضيل، يتذكر ذوو الشيخ سليمان، الذي رحل عن عالمنا قبل نحو عدة أشهر، ابتسامته العريضة وهو يجلس خلف مكتبه، يمارس أعماله في مؤسساته وشركاته، التي تخصّصت في التجارة، ويصفون هذه الابتسامة بأنها علامة رضا تام من الشيخ على ما قدّمه لوطنه وعائلته وأبناء وطنه، داعين الله أن يغفر له ويرحمه ويدخله جنات عدن، جزاء ما قدّم وأعطى.
 
تتميز سيرة الشيخ سليمان؛ على مدى نحو قرن بالعطاء الوفير للوطن، والولاء اللامحدود لولاة الأمر، والعمل الجاد في صمت وهدوء، بعيداً عن الأضواء وفلاشات الكاميرات، محققاً إنجازات اقتصادية، قلّ أن تتكرّر مرة أخرى.
 
المولد والنشأة
وُلد الشيخ سليمان في بريدة عام ١٣٣٧هـ، وترجع عائلة الرشيد، إلى أسرة آل أبو عليان، وهي الأسرة المؤسّسة لمدينة بريدة.. بدأ مشواره في ذلك الوقت، مثل أبناء جيله، بالعمل منذ سن مبكرة، وعندما بلغ الـ 15 ربيعاً بدأ أولى رحلاته خارج بريدة؛ حيث ذهب إلى الأحساء مروراً بالرياض مع إحدى القوافل، وكان مشياً على الأقدام، حيث كانت الإبل محملة بالبضائع والرجال يسيرون عادة بجوارها ويتفقدونها.
 
وسافر "سليمان"؛ إلى العراق مع إحدى قوافل العقيلات، ومع الوقت استقل بعمله، وكان في البداية بين العراق والقصيم، ثم أصبح بين العراق والشام وفلسطين، وكانت أغلب تجارته بالمواشي، وكان أغلب ترحاله مشياً على الأقدام، حتى يتمكن من تفقد الماشية والإبل وأحمالها.
 
العراق ومصر
استمر الشيخ سليمان في تجارته، متنقلاً بين العراق وفلسطين ومصر وقليلاً إلى الشام قرابة 16 سنة حتى ترك عمل العقيلات، واستقر به الحال في المنطقة الشرقية، وتحديداً في مدينة الخُبر عام 1370هـ حيث عمل بداية بالصرافة لمدة خمس سنوات تخللها عمل آخر، هو شراء خردة الحديد أو ما يُعرف بالسكراب، والسيارات المستهلكة، وعادة ما يتم شراؤها من شركة أرامكو أو سكة الحديد، ويقوم بتصديرها إلى الشام أو بيعها محلياً بعد فرزها، وبعدها تخصّص في تجارة الأرز، وأصبح على مدار ثلاثة عقود متتالية أكبر تجار الأرز في المملكة، وكان لافتتاح ميناء الدمام وسكة الحديد عام ١٣٧١هـ، الأثر الكبير لنمو التجارة وتطورها بالمنطقة الشرقية.
 
حق الوطن
ولم ينسَ الشيخ حق الوطن عليه، فانخرط في أعمال خير كثيرة، بعضها في العلن، والآخر في الخفاء، موقناً أن رضا الرب من رضا العبد، فكان يساعد الصغير، ويقف مع المظلوم، ويساند الضعيف، راجياً ثواب الله وحسناته.
 
وفي يوم وفاته، بكى الآلاف عليه، ممّن تعلموا في مدرسته، كيف تكون العزيمة والمثابرة والاجتهاد، وكيف يثبت المرء نفسه في عالم مليء بالعقبات والتحديات، متجاوزاً كل الصعاب، ومتسلحاً بالإيمان بالله ثم بالإرادة والإخلاص والصدق.
 

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org