"كوبري الموت" إلى متى..؟!!

"كوبري الموت" إلى متى..؟!!

قفز قفزة النجاة فكانت قفزة الموت.. قفز فارًّا من الموت باحثًا عن الحياة فكانت النهاية المأساوية.. هذا ليس لغزًا نبحث عن حله، وليس مطلعًا لقصة نريد كتابتها، وليس استهلالاً لرواية نريد أن ننافس بها للحصول على جوائز عالمية..!!


إنها الحقيقة المُرّة، إنها المأساة الواقعية، إنها الفاجعة الكبرى التي فُجعت بها عائلة سعودية قبل أيام قليلة عندما فقدت أحد أبنائها في ريعان شبابه..!! إنها الكارثة التي استقبلها سكان شرق الرياض بدهشة، كادت تطيِّر عقولهم؛ فلم يستطع أي منهم أن يقنع نفسه بأن ما حدث حقيقة ماثلة للعيان، وأنها قصة واقعية، وليست نسجًا من الخيال، أو أضغاث أحلام، أو كوابيس مزعجة، مرَّت بأحدهم؛ فأخذ يسردها عليهم باحثًا لها عن تفسير..!!


ولم يصدِّق بعضهم أن ما حدث أصبح واقعًا إلا بعد أن شيَّعوا ذلك الشاب إلى مثواه الأخير - رحمه الله رحمة واسعة، وألهم ذويه الصبر والسلوان -.


القصة حدثت فوق جسر الميعيزلة، ذلك الجسر الذي انفجرت به ناقلة الغاز، وتسببت بانفجاره، وأخذ فترة طويلة من الزمن، تجاوزت أربع سنوات ليتم إنجازه؛ ففرح الناس به، ولكنهم لم يتخيلوا أنه سيصبح فخًّا لصيد الشباب وقطف أرواحهم..!!


وهي باختصار شديد: حادث تصادم بين سيارتين، حدث فوق هذا الجسر، وبينما هم بانتظار من يباشر الحادث ليعطي كل ذي حق حقه - كالعادة في مثل هذه الحوادث - جاء أحد المتهورين الذين بُلي بهم هذا المجتمع، ولم يجدوا من يردعهم، ويوقف عبثهم بأرواحهم وأرواح الآخرين..!! ولا نقول جاء يقود سيارته بسرعة جنونية، ولكن نقول إنه جاء يعبث بمركبته مستهترًا بكل الأنظمة والقوانين، قبل أن يكون مستهترًا بكل القيم والمثل..!! يقود سيارته بسرعة تجاوزت كل الحدود إلا حدود الجنون..!! نعم، الجنون؛ لأنه لا يمكن أن يكون عاقلاً مَن يقود بهذه الطريقة..!! وبهذه السرعة التي قد تكون تجاوزت سرعة السيارة التي حددها المصنع لم يوقف سيارته إلا اصطدامها بالسيارتين الواقفتين بسبب الحادث..!! ولا عجب.. ولا استغراب من ذلك؛ لأنه كان بالإضافة لهذه السرعة الجنونية يعبث بهاتفه الجوال، ويبدو أنه لم يعلم إلى هذه اللحظة أنه تسبب بهذه الكارثة؛ لأنه فارق الحياة! أما صاحبا السيارتين فأحدهما فارق الحياة على الفور دهسًا، وآخر نُقل إلى العناية فاقدًا إحدى رجلَيْه، والثالث - وهو بطل قصة "كوبري الموت" - فقد قفز إلى المسافة الفاصلة بين الطريقين ظنًّا منه - رحمه الله - بأنها آمنة، وهذا ما يجب أن تكون عليه، ولم يدُرْ بخلده أنها هوة سحيقة، وأنها مصيدة الموت التي تنتظر صيدها الثمين، وأنها الفخ الذي ينتظر الفريسة، وأنها قد تكون مصير أحدنا يومًا؛ لأن أي واحد منا سيفعل ما فعله أحمد - رحمه الله - فيقفز ليبحث عن النجاة خوفًا من مصير ذلك الرجل الذي لقي حتفه دهسًا.. ولم يكن يعلم أنه فرَّ من موت إلى موت أكثر إيلامًا..!! أكثر إيلامًا لأهله وذويه الذين رأوه يسقط من هذا الارتفاع الشاهق ليلقى حتفه أمام أعين بعضهم غير مصدقين ما حدث؛ فلم يتخيلوا يومًا أن الأمان يصبح مصدر خوف، وأن طوق النجاة يصبح نهاية الحياة..!! نسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يحسن عزاءهم، وأن يجبر مصابهم، ويأجرهم في مصيبتهم.


والسؤال هنا: هل يعقل أن تُترك هذه الهوة لتكون فخًّا، يودي بحياة الناس؟!! إن كان لا يمكن ردمها لأمر هندسي يخص الإنشاء.. فلا يمكن أن يكون ممنوعًا وضع سياج حديدي، يمنع الناس من السقوط فيها..!! أو وضع شبكة من الحديد أو غيرها، تمنع سقوط الناس منها.


والسؤال الأهم: مَنْ المسؤول عن فقدان هذا الشاب حياته؟!! هل يتحمل ذلك المقاول المنفِّذ لهذا الجسر؛ لأنه لم يعالج هذه الهوة بين الشارعين..؟!!
أم يتحملها مهندس الأمانة الذي وقَّع على استلام المشروع وهو يحوي مثل هذه الكارثة..؟!!
أم يتحملها "الأمين" الذي لم يُحسن اختيار مهندسيه؟!! أم يتحملها الوزير المسؤول عن الأمين؟!!

هل ننتظر ضحايا آخرين..؟!! أم هل ننتظر أن يصبح هذا المكان شبحًا، يقض مضاجع الناس، ومصدر كوارث لهم حتى يطلقوا صرخة مدوية: "كوبري الموت" إلى متى..؟!!

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org