محمد بن سلمان.. والمحاور الحرجة!! ١-٢

محمد بن سلمان.. والمحاور الحرجة!! ١-٢

استمتعنا جميعًا بمقابلة سمو الأمير محمد بن سلمان في لقائه بقناة العربية، وهو يتحدث بكل ثقة وتمكين ووضوح عن رؤية 2030.

رؤية وطنية صلبة، تمتلك مقومات واسعة ومتعددة للنجاح، تنطلق من الفرص والكنوز المتاحة للمملكة التي طالما طالبنا باستثمارها نحن المواطنين، وفي الوقت ذاته تحاول الابتعاد بكل ما أوتيت من قوة عن إدمان النفط، كما أشار سموه.

هذه الرؤية ستعيد للمملكة مَوَاطن القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أُهملت لعقود طويلة، وتُشعرنا بأننا مقبلون على مرحلة تطويرية تاريخية غير مسبوقة - بإذن الله -، أساسها الابتكار والحوكمة، وتحسين الأداء، وتمكين المجتمع وتنميته، في إطار من الشفافية والمحاسبة، وهي المعادلة الرئيسة لنجاح أي رؤية مستقبلية.

لكن ظلت هناك "محاور حرجة" بالغة الأهمية للرؤية، لم يتحدث عنها أمير الرؤية بشكل متعمق، ربما لأن الوقت لم يسعفه، أو أن المحاوِر لم يضعها في محاوره.وسأناقش في هذا المقال أحد تلك المحاور، وسأعقبه بمقال لمحور حرج آخر.

محور هذا المقال أُهمل في العديد من القطاعات الحكومية، ولعقود طويلة؛ فضرب التنمية في عمقها أمام ميزانيات فلكية!!

ولا أبالغ إذا قلتُ إن هذا "المحور الحرج" يمثل كفة وحده، والرؤية بأسرها كفة أخرى في الميزان، وعليهما أن يتناغما معًا للنجاح وتحقيق الرفاهية لمجتمعنا.

هذا المحور للرؤية كما الماء للشجر، والهواء للإنسان؛ فلا يمكن أن تتنفس الرؤية بدونه، أو تحيا صلبة مثمرة دون مائه، وهو المحرك الرئيسي لها.

وإذا لم نستثمر فيه بصورة منهجية مؤسسية فستواجه الرؤية الكثير من الصعاب والتحديات، كما واجهتها خطط التنمية السابقة.

كنتُ قد أشرت في مقالين سابقين، الأول بعنوان "ناقوس الخطر يدق القيادات الحكومية"، والآخر بعنوان "الديوان الملكي والصحة وبنك القيادات"، إلىأن جزءًا كبيرًا مما نعايشه ونشاهده من خلل في خطط التنمية، وتعثر المشاريع، وفشل بعض البرامج، واستشراء الفساد الإداري في بعض القطاعات، وضعف الأداء والرقابة، ليس نابعًا من قلة الموارد، أو ضعف الأنظمة واللوائح فقط، بقدر ما هو نابع في المقام الأولمن ضعف مستوى أداء القيادات ومهاراتهم في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية بمستوياتها المتعددة.

ولا أدل على ذلك من الميزانيات الفلكية التي رُصدت الأعوام الماضية لخطط التنمية دون وجود أثر كبير وملموس لها في واقعنا. كما أن التغييرات المتعددة لمنصب الوزير في بعض الوزارات خلال فترات متقاربة دلالة كبيرة على وجود "أزمة قيادات" في المؤسسات الحكومية.

وأضيف هنا أيضًا تصريح سابق لوزير الخدمة المدنية، يذكر فيه أن ربع شاغلي الوظائف القيادية الحكومية مؤهلاتهم دون الجامعية!!

وربما تلك المؤشرات السابقة قد لا تمثل سوى رأس جبل الجليد، وهي مؤشرات - حقيقةً - مؤلمة للغاية.

نحن نشهد اهتمامًا بالغًا من قِبل خادم الحرمين الشريفين بالسعي لاختيار القيادات الأكفأ في تلك المناصب، وقد ألمح سمو الأمير في سياق حديثه بذلك، لكن نحن بحاجةإلى مزيد من العمل المؤسسي لسد هذا الخلل العميق؛ وهو ما يستدعي بناء استراتيجية وطنية متكاملة لاكتشاف القيادات الوطنية المؤهَّلة، وتمكينهم في القطاع الحكومي ومؤسساته.

لا شك أن الرؤية لم تهمل جانب تنمية الموارد البشرية وتطويرها؛ ووضعت لذلك برنامجًا متكاملاً، يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، كما أسست برنامجًا لرأس المال البشري. لكن أجزم بأنه من الضروري أن يصاحب ذلك برنامج منفصل ومتكامل مع تلك البرامج تحت عنوان "صناعة القيادات فيالسعودية".

قلتُ سابقًا، وأعيدُ مجددًا: إن هذا "المحور الحرج" يمثل أحد أهم التحديات لخطط التنمية، وسيظل كذلك أمام رؤية 2030. والمميز في الأمر أن الطريق لذلك ميسرة وممهدة، وتحتاج فقط إلى مزيد من الاهتمام والإرادة والعمل المؤسسي، وهو ما نأمله - بإذن الله - في تلك الرؤية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org