مختص: تطبيق التجربة الماليزية في نفط المملكة يوفر دخلاً هائلاً ويؤمّن آلاف الوظائف

زيارة خادم الحرمين تستهدف أهم النماذج الآسيوية
مختص: تطبيق التجربة الماليزية في نفط المملكة يوفر دخلاً هائلاً ويؤمّن آلاف الوظائف

 لم يكن إدراج ماليزيا ضمن الجولة الخارجية لخادم الحرمين الشريفين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- التي انطلقت أمس الأحد، تقليدياً، وإنما جاء وفق رؤية عامة، تسعى إلى تعزيز المكاسب المتوقعة للزيارة، التي ستشمل أيضاً كلاً من إندونيسيا، وبروناي، واليابان، والصين، والمالديف.

ويرى المراقبون أن وجهة خادم الحرمين الشريفين في زيارته هذه المرة، صوب القارة الآسيوية، وتحديداً إلى هذه الدول، تحمل مدلولات وإشارات جلية، بأن المملكة تعتزم دراسة تجارب هذه الدول في تطوير اقتصاداتها، وكيف خرجت من عنق الزجاجة، إلى آفاق رحبة، متغلبة على المشكلات الداخلية والتحديات المفروضة عليها، إلى أن تمكّنت من أن تبني نفسها بنفسها، معتمدة على جهود أبنائها وإصرارهم على صنع المستحيل.

وتعد ماليزيا اليوم واحدة من أهم الدول الإسلامية في شرق آسيا، فمنذ عام 1970م وهي تعمل بمنهجية عملية متطورة؛ بهدف تحسين الوضع العام لمواطنيها، خصوصاً الاقتصاد. ووضع الماليزيون خططاً خمسية متعاقبة ومتدرجة الأهداف؛ للارتقاء بمستوى المعيشة لدى المجتمع، ومع العمل المتواصل استطاعت ماليزيا أن تصل إلى الحلم الذي أسهم في علاج المشكلة الاقتصادية التي يعانيها المجتمع، بالتوسع في قطاع الصناعة، وفتح مجالات واسعة للاستثمار الأجنبي، وإيجاد فرص كبيرة لتحسين مستوى الدخل للأفراد، وإيجاد فرص أكبر للعمل وتحقيق مستوى جيد للدخل.

وتتضمّن التجربة الماليزية، دون سواها، الكثير من الدروس المستفادة، والعبر، بعد أن اختارت الطريق الصعب، في بناء نفسها من لا شيء. فقد رفضت ماليزيا الاعتراف بالأمر الواقع، الذي يقول إن أكثر من 70% من الشعب حينها دون مستوى الفقر، خصوصاً الملايين الذين يمثلون الأغلبية لسكان ماليزيا، وتواجه البلاد إشكالية ضعف الموارد، يضاف إلى ذلك أن طبيعة التضاريس فيها جبلية، ومعظم الأراضي لا تصلح للزراعة، والدخل الأوفر حظاً هو القطاع السياحي، الذي يساهم بـ 5% فقط من الدخل المحلي، ولم يتجاوز حجم تبادلها التجاري مع دول العالم عام 1975 أكثر من 4.5 مليون دولار، ورغم ذلك غيّرت من مشهدها الاقتصادي برمته، وتجاوزت تجارتها اليوم 200 مليار دولار، وهو ما انعكس على العملة الماليزية "الرينجت".

وقبل أن تبدأ ماليزيا في تنفيذ مخططها العام لبناء اقتصاد قوي، على قاعدة صلبة، رأت أولاً أن تحفّز مواطنيها وتشجعهم على الاجتهاد والتضحية وتحمّل المشاق؛ من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وعندما تأكد للدولة أن موطنيها على أهبة الاستعداد لتنفيذ المخطط، أطلقت إشارة الانطلاق، وفق رؤى جديدة، واستراتيحية عمل مغايرة، لا تعترف بأن هناك مستحيلاً.

وارتكزت السياسة الماليزية في بناء الاقتصاد، على اتباع عدة خطوات، التزم بها الجميع، فتحقق النجاح المأمول، ومن هذه الخطوات التحوّل بنجاح من إنتاج السلع الأولية وتصديرها، إلى إنتاج السلع الصناعية، حيث اعتمد الماليزيون على 6 سلع أولية، وهي المطاط، وزيت النخيل، والتوابل، والكاكاو، وجوز الهند، وجذوع الأشجار، التي استثمروها في إنتاج عشرات السلع المصنعة، ولم يمر وقت طويل، حتى أصبحت البلاد من أكبر مصدري الأخشاب الصناعية، ثم الأثاث الخشبي، وأكبر منافس للولايات المتحدة في تصدير الزيوت النباتية، وأكبر مصدر للإطارات في العالم، وفي هذه الأثناء، سُمح للشركات الدولية باستمرار نشاطها في البلاد، مقابل مشاركة رأس المال الوطني في المشاريع الكبرى، وهو ما ساعد على تفعيل الأموال الوطنية، واكتساب الخبرات.

وفي خطوة لاحقة، قررت الحكومة الماليزية وقف تصدير تلك السلع في شكلها الخام، من خلال فرض ضرائب باهظة على تصديرها، والقيام بتصنيعها في الداخل، ثم اعتمدت عليها في إقامة مشروعات مشتركة، لإنشاء مناطق صناعية، تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الدول الصناعية، وألزمت الحكومة شركات هذه الدول بإنفاق جزء من أرباحها في إنشاء البنية الأساسية اللازمة لجذب الاستثمارات.

ومع بداية ثمانينيات القرن الماضي، استطاعت ماليزيا جذب استثمارات خاصة في السلع الكهربائية والمنزلية، وتجميع الإلكترونيات، التي مهّدت الطريق لجذب كبرى شركات العالم في الإلكترونيات لإنشاء مصانع هناك، تصدّر منتجاتها إلى كل دول العالم، بأسعار تنافسية للمنتجات اليابانية والأمريكية".

ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة أن التجربة الماليزية قد تكون صالحة للتطبيق على أرض المملكة العربية السعودية، في مجالات كثيرة ويقول: "التجربة صالح للمحاكاة في قطاع الطاقة؛ إذ تستطيع المملكة إيقاف تصدير النفط الخام، والعمل على الاستفادة منه في تصنيع مئات المنتجات، وإعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي يوفر آلاف فرص العمل للشباب".

ويضيف باعجاجة لـ"سبق" أنه في إمكان المملكة "الاستفادة من الإمكانات المتوفرة لدى الأسر المنتجة، وتعزيز نشاطها وبرامجها في تصنيع منتجات حديثة ذات تقنيات عالية، تتجاوز ما تصنعه اليوم من منتجات بدائية، وهذا ما اعتمدت عليه ماليزيا، وبات لديها قطاع صناعي إلكتروني مهم، يصدّر منتجاته إلى العالم".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org