"مساعد الرشيدي".. رحلة 55 عاماً فاضت شعراً للوطن وهذه وصيته الأخيرة لأبنائه

"كانوا معنا" ترصد مراحل من حياة "سيف العشق" وأسراره الرمضانية وقوله عن نجله
"مساعد الرشيدي".. رحلة 55 عاماً فاضت شعراً للوطن وهذه وصيته الأخيرة لأبنائه

قرابة الأربعة أشهر مضت على وفاة الشاعر مساعد الرشيدي، عن عمر ناهز 55 عاماً؛ بعد صراع مع المرض؛ حيث لقّبه زملائه في الساحة الشعرية بـ"سيف العشق"، وفاض شعره بحب الوطن والمدافعين عن ترابه الغالي؛ فيما تميزت قصائده بالكلمة الرائعة، والصورة الجزلة؛ مجسّداً المرحلة التاريخية التي عاشها وتفاعل معها في أغلب تفاصيلها ومنعطفاتها.

إني راضٍ عنك
وتحدّث نجله فيصل لـ"سبق" واصفاً لحظات وفاة والده بالمؤلمة والحزينة، وأنه لا اعتراض على قضاء الله وقدره والحمد لله على كل حال، وقال: "أتذكر في أيامه الأخيرة وقبل وفاته أنه تحدّث لي وقال: يا فيصل والله إني راضٍ عنك يا ولدي"؛ موضحاً أن هذه العبارة هي غاية ما يطمح له الإنسان من والديه، وداعياً الناس وكل مَن قرأ كلامه بالدعاء لوالده بالرحمة والمغفرة.

وصيته الأخيرة
وبيّن أن وصية والده الأخيرة لأبنائه كانت الحفاظ على الصلاة، وقال: "كان، رحمة الله عليه، يوصيني دائماً بالحفاظ على الصلاة حتى في عز مرضه، كان يكرر علينا وصيته بالمحافظة عليها"، وأضاف: "كان يقول لنا: خلوا قلوبكم على بعض، لا تقسوا على بعضكم، تراحموا فيما بينكم، وتعاونوا وأحبوا بعضكم".

وواصل "فيصل" حديثه؛ مؤكداً أن والده اكتسب محبة الناس حياً وميتاً؛ لأنه كان صادقاً مع الجميع، لم يحقد في يوم من الأيام على أحد، وكان عطوفاً عليهم، ويمنحهم من وقته الكثير برغم مشاغله العملية وظروفه المختلفة".

الروتين يتغيير
وتابع: "والدي -رحمه الله- كان يحرص عند دخول شهر رمصان على تقديم التهنئة للأقرباء والجيران والأصدقاء، وكان شهر رمضان عنده من أهم وأفضل الشهور؛ حيث نسعد بتواجده بيننا بعكس باقي الشهور التي غالباً ما يكون مشغولاً عنا، ويتغير روتينه ١٨٠ درجة للأفضل، وكان يداوم من الصباح إلى الظهر ويريح ساعة بالبيت، وبعدها يستغل وقت فراغه في قراءة القرآن الكريم، ويحرص على رياضة المشي قبل الفطور بساعة على الأقل ولا يرجع للبيت إلا قبل الإفطار بنص ساعة بعكس الشهور الأخرى".

سيدة الموائد
وأضاف: "والدي كان خفيف الأكل في شهر رمضان، ويحرص على أكل التمر مع القهوة ويبدأ بها أولاً، ثم يطلب الشوربة، ويحب أكل سيدة موائد رمضان "السمبوسة"، وأحياناً الفول والتميس.

السيرة الذاتية
ولد الشاعر مساعد الرشيدي في مدينة الدمام عام 1382هـ، وقضى أول فترات طفولته في الكويت، ودرس في خميس مشيط حين كان والده يعمل في الجيش، تخرج في إحدى ثانويات خميس مشيط، وانتهى من المرحلة الثانوية والتحق بالكلية وتخرج ضابطاً حتى وصل إلى رتبة عميد في الحرس الوطني السعودي، ثم توفي في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني فجر يوم الخميس الموافق 12 يناير 2017، بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 56 عاماً، وقد أقيمت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في جامع الراجحي في الرياض، وحضر الصلاة الأمير متعب بن عبدالله آلسعود وزير الحرس الوطني، وعدد من شعراء الخليج، وقد دُفن في مقبرة النسيم بالرياض.

آخر قصائده الوطنية
في آخر قصائده، أبى شاعر الوطن الراحل مساعد الرشيدي إلا أن يفيض بشعر في حب الوطن ورجاله ومَن يدافعون عن ترابه الغالي كالبطل جبران عواجي، الذي قال فيه:
ما دام يولد للوطن مثل جبران
تموت عدوان الوطن ما تطوله

يقول "الرشيدي": أثناء زيارة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، قبل وفاته في المستشفى:
ما بي خلاف يا رمز الحرس لا تخاف
طبت وارتحت من هم المرض يوم جيت

خميس مشيط ومرابع الطفولة
ولأن صورة المبدع الحقيقي في أي مجال لا تتضح في أحيان كثيرة، وربما لا تكتمل إلا إذا عرفنا جانباً من حياته، والظروف التي رافقت تكوينه؛ ففي بداية حياته ومع براءة الطفولة وعنفوان الحلم، قضى مساعد الرشيدي أول فترات طفولته في الكويت المتألقة شعراً ووعياً في حينها، ثم انتقل مع والده الذي كان يعمل في الجيش السعودي إلى الجنوب، وتحديداً خميس مشيط، وهناك في مرابع الطفولة تفتحت موهبته الشعرية، وانطلق في مسارات الشعر في بدايات صغيرة متعثرة؛ لكنها واعدة، وقال متذكراً فترة طفولته:
تذكرين الغـلا والصيـف يالسـودة
لمـة البرق.. والخـلان والـراعـد
تذكرين القصيد.. وسلمهـة سـودة
واحـد كـان ما مثلـه ولا واحــد

نجد العذية
وفي مدينة الرياض التحق بكلية الحرس الوطني، وتخرج وعمل وأقام فيها، وفي حب الرياض ونجد والوطن الكبير يتألق مساعد الرشيدي قائلاً:
نجد ما تعطي العصمة لغير الفحول
ما يروع العذية حلم بهلولها
من طمع عقب "أبو تركي" بنجد مهبول
حكمة يشهد الحاضر بمدلولها
أقبل الحق والباطل زهوق ملول
وانحنت هامة التاريخ من هولها

الغربة وذكرى الوطن
ويقول بعد أن ابتعث لأمريكا لدراسة العلوم العسكرية، حزيناً متذكراً الوطن والأهل والأحباب في إحدى قصائد الغربة الشهيرة:
حزين من الشتاء ولا حزين من الضما يا طير
دخيل الريشتين اللي تضفك حل عن عيني

سيف العشق
واستطاع مساعد الرشيدي -رحمه الله- أن يضع لنفسه خطاً شعرياً مميزاً مليئاً بالصور الشعرية الجميلة، والكلمات العذبة المنتقاة بعناية، وبعلاقاته القوية الصادقة مع زملائه في الساحة الشعرية، الذين لقبوه بسيف الشعر نِسبة لقصيدته الشهيرة "سيف العشق"، وقد تميزت الأمسيات الشعرية الناجحة التي كان يحييها داخل المملكة وفي مدنها المختلفة، وفي خارجها في عدد من الدول الخليجية، بكثافة حضورها من محبي الشعر وعشاقه.

رحم الله الشاعر مساعد الرشيدي رحمة واسعة؛ حيث يقول الراحل في إحدى قصائده، شاعراً بقرب أجله:
تعبت من القصيد من الجروح من انتظار طال
تعبت أستقبل طعون الزمن وأربت على كتفه
تعبت من الكلام من السكوت اللي يهد الحال
تعبت أكثر من الحزن الذي ما ينتهي عزفه

ولم يمهل المرض هذا الشاعر العلَم كثيراً؛ حيث شاءت إرادة الله أن ينتقل إلى جواره تاركاً الكثير من الحزن يلف محبيه، الذين واروا جثمانه الثرى، ودعوا له بالرحمة والمغفرة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org